هل نحن مهددون؟

TT

قد تبدو مشكلات الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وما قد تفرزه مستقبلا مثل مشكلة عالم مرفه بالنسبة إلى رجل الشارع العادي في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، مقارنة بما تعانيه من مشاكل أخرى متصاعدة تستنزف الحياة اليومية، بعضها سياسي مزمن مثل القضية الفلسطينية، إلى أخرى مستجدة مثل الانتحاريين والتطرف وبؤر الالتهاب الجديدة في اليمن والقرن الأفريقي، ثم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وأعباء الحياة اليومية.

مع ذلك فإن المنطقة لا تستطيع أن تتجاهل أو تعزل نفسها عما يدور حاليا في قمة كوبنهاغن للمناخ التي افتتحت أمس بمشاركة نحو 190 دولة في محاولة لإنقاذ العالم مما يحذر منه العلماء في حالة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهو سيناريو مرعب من غرق مجتمعات وأراض شاسعة تحت مياه البحر، وتشرد عشرات الملايين ونزوحهم إلى مناطق جديدة ومجاعات نتيجة شحة الأمطار في مناطق، وهطولها بشكل مبالغ فيه في مناطق أخرى، وما ستحدثه من فيضانات مدمرة في مناطق أخرى. وقد يكون هناك جدل حول بعض دراسات العلماء ونتائجها، لكن الثابت منذ سنوات وهو ما يوجد شبه اتفاق عليه أن هناك تغيرا مناخيا نتيجة لنشاط إنساني.

لا تستطيع المنطقة أن تتجاهل ما يحدث لأنها بين المناطق المهددة من أعراض ارتفاع الحرارة وما سيصاحبه كما تتنبأ الدراسات العلمية من ارتفاع مستويات البحار نتيجة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، ويقال إن مشكلة دارفور هي في أصلها نتاج ظاهرة تغير المناخ وشحة الأمطار الذي أدى إلى صراع حول الموارد المحدودة، بينما هناك دراسات أخرى تحذر من أن مناطق منخفضة مثل الدلتا وهي أخصب المناطق الزراعية في مصر وتضم غالبية السكان، أجزاء كبيرة مهددة منها بالغرق تحت مياه البحر، إذا تحققت تنبؤات ارتفاع منسوبه نتيجة الاحتباس الحراري.

وفي أماكن أخرى نجد أن مشاكل البيئة تتداخل في جذور الصراع السياسي، فالصراع على موارد المياه الشحيحة جزء من مشكلة الفلسطينيين في الضفة الغربية مع الإسرائيليين، والمياه أيضا مشكلة كامنة في علاقات ثلاثة بلدان هي تركيا وسورية والعراق، والدراسات والشواهد تشير أيضا إلى مشكلة مياه مقبلة في اليمن، بينما شحة الأمطار في أفريقيا قد تشكل مشكلة كبرى بين دول حوض النيل إلى آخر القائمة.

وفي حين أن نسبة إسهام منطقة الشرق الأوسط في انبعاث الغازات المضرة التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري تعد قليلة مقارنة بالدول الصناعية الكبرى التي ستجري بينها مساومات شاقة في قمة كوبنهاغن على حصة كل منها في تقليل انبعاثات الغازات، فإن التأثيرات ستطالها سواء على صعيد ظاهرة الاحتباس الحراري وأضرارها البيئية، أو على صعيد ما سيتخذ من قرارات فيما يتعلق بإجراءات تخفيض الانبعاثات وتأثيرات ذلك على اتجاهات سوق الطاقة.

وبين الجدل الدائر على المستوى العالمي أن المسؤولية التاريخية في انبعاث الغازات المضرة تقع على الدول الصناعية الغربية لأنها بدأت ثورتها الصناعية منذ أكثر من قرن بينما دول الاقتصادات الناشئة الكبيرة مثل الصين وجنوب شرق آسيا وبعض دول أميركا اللاتينية حديثة العهد حتى لو كانت انبعاثاتها الآن كبيرة، وبالتالي فإنه لا يجب تحميلها الكثير حتى لا تتأثر عملية النمو فيها. ووسط هؤلاء تقف الغالبية من الدول النامية وبعضها الأكثر تضررا وتحتاج إلى مساعدات مالية ضخمة لمواجهة مشاكل تغير المناخ. وبين أطراف الجدل هناك وجهة نظر للمدافعين عن حملة حماية الكرة الأرضية، بأنه ليس هناك وقت لتبادل اللوم أو تحميل المسؤوليات لطرف دون الآخر لأن الجميع في قارب واحد.

نعم المنطقة متأثرة ومهددة، لذلك يجب أن تكون لاعبا فاعلا فيما يدور من مناقشات حول الاتفاقية المزمع التوصل إليها، كما يجب أن تنقل الوعي بالأزمة إلى مستوى الشارع حتى لا تبدو حملات الحفاظ على البيئة أشبه بترف كماليات.