مَن يخسر اللعبة الإيرانية؟

TT

كيف ستتطور المواجهات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني خلال العام المقبل؟ إذا كان ثمة مؤشر يمكن العثور عليه في لعبة محاكاة أقيمت في هارفارد خلال الأسبوع الماضي، فلن يكون الوضع جيدا، حيث ستكون إيران أقرب إلى الحصول على القنبلة النووية وستكون أميركا عاجزة عن تمرير عقوبات صارمة عبر الأمم المتحدة؛ وسوف تتوتر العلاقات الدبلوماسية مع روسيا والصين وأوروبا؛ وستهدد إسرائيل بالقيام بعمل عسكري أحادي الجانب.

كان فريق إيران في كارت تسجيل النقاط الخاص بي هو الطرف الفائز، فيما كان فريق أميركا هو الطرف الخاسر. واختتم الفريق الأميركي، العاجز عن وقف البرنامج النووي الإيراني والكاره للدخول في حرب، اللعبة بتبني استراتيجية الاحتواء والردع. وفي المقابل كانت روسيا والصين الحماة الدبلوماسيين للفريق الإيراني. وانتهت اللعبة بقطيعة حادة بين الفريق الإسرائيلي وواشنطن. وعلى الرغم من أن ذلك كان مجرد تمرين، فقد كشف عن بعض الديناميكيات المهمة في الحياة الواقعية، وعجز أي استراتيجية دبلوماسية حتى الآن عن وقف التقدم النووي الإيراني. نظّم المحاكاة غراهام إليسون، رئيس مركز بلفر في كلية كينيدي للحكم التابعة لهارفارد. وشارك فيها لاعبان مهمان: وكيل وزارة الخارجية السابقة نيكولاس بيرنز، الذي لعب دور الرئيس الأميركي باراك أوباما، والسفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة دور غولد، الذي لعب دور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقد وافق الاثنان على أن أذكر اسميهما في هذا الموجز.

وصاغ اللاعبان استراتجياتهما بصورة واقعية، تجنبت الولايات المتحدة تحت إدارة أوباما الحرب، وهو ما يعني كبح جماح إسرائيل؛ وتريد إيران الاستمرار في برنامجها النووي حتى في الوقت الذي تتفاوض فيه بخصوص صفقة يتم بموجبها تخصيب اليورانيوم خارج حدودها، مثل الصفقة التي طفت على السطح بجنيف في أكتوبر (تشرين الأول)؛ ولا تثق إسرائيل في أن أميركا سوف توقف إيران وتبحث عن مساعدة من دول الخليج العربي وأوروبا. وارتبك فريق أوباما بمطالبات من الكونغرس تدعو لفرض عقوبات أميركية من جانب واحد ضد الشركات التي تعمل في قطاع الطاقة الإيراني، فقد كان لهذه الطلقة التي استهدفت إيران نتيجة عكسية، حيث إن بعض من الشركات المهمة من روسيا والصين، وهما الدولتان اللتان تحتاج الولايات المتحدة إلى دعمهما لتمرير عقوبات قوية عبر الأمم المتحدة. وشعر الروس والصينيون بالإهانة، ولذا بدأوا التفاوض مع طهران من خلف ظهر أميركا. ويقول رئيس الفريق الإيراني غاري سيك، الأستاذ في جامعة كولومبيا: «بدأنا ونحن نحسب أنفسنا في موقف ضعف، ولكن في النهاية كان الجميع يتفاوض لمصلحتنا». وبحلول نقطة النهاية الافتراضية في ديسمبر (كانون الأول) 2010، كانت إيران قد ضاعفت مخزونها من اليورانيوم ضعيف التخصيب وكانت تمضي إلى التسليح.

وكانت المشكلة الخادعة لأوباما المتخيل هو علاقته مع نتنياهو المتخيل. وبينما كان بيرنز وغولد يلعبان دوريهما، حدثت بينهما مشادات طلبت خلالها أميركا الحصول على تأكيدات بأن إسرائيل لن تهاجم إيران دون الحصول على تصريح من الولايات المتحدة. ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يلعب دوره غولد، أن يقدم هذا الوعد، وأصر على أن إسرائيل وحدها هي التي يجب أن تقرر كيف تحمي أمنها. وحذّر بيرنز، كرئيس، من أنه إذا قامت إسرائيل بتوجيه ضربة، على عكس المصالح الأميركية، ربما تقوم واشنطن علنا باستنكار الهجوم، وهو ما يفضي إلى قطيعة مفتوحة مثلما حدث في أزمة السويس عام 1956. واتفق اللاعبان المهمان بعد ذلك على أن المحاكاة أظهرت توترات حقيقية تحتاج كلا البلدين إلى فهمها بصورة أفضل. وقال بيرنز: «المشكلة الأكثر صعوبة لدينا هي كيف يمكن كبح إسرائيل». وأضاف: «وجهة نظري الشخصية هي أننا نحتاج إلى العمل على حل طويل المدى مع تجنب حرب ثالثة في الشرق الأوسط الكبير وإجهاد إيران بمرور الوقت». وقال غولد إن اللعبة أوضحت له اختلافا مقلقا في الآراء بين القيادتين الأميركية والإسرائيلية. وأضاف: «تبعد الولايات المتحدة عن منع ظهور إيران نووية وتقترب من احتواء دولة إيرانية نووية، مع ردع يعتمد على تجربة الحرب الباردة. وقد أصبح ذلك واضحا في المحاكاة. وفي المقابل، لا تزال إسرائيل تعتقد أن يجب منع إيران النووية».

وأظهرت اللعبة أن الدبلوماسية سوف تصبح أكثر صعوبة خلال العام المقبل. ومثلما يوضح بيرنز: «ربما لن تحصل الولايات المتحدة على أية مساعدة من روسيا والصين، وستكون إيران منقسمة وجامدة، وستكون القارة الأوروبية ضعيفة وربما يكون على الولايات المتحدة أن تكبح إسرائيل». وما أقلقني في هذه اللعبة هو ما يقلقني في الحياة الواقعية، فهناك «ضباب دبلوماسي»، شبيه بـ«ضباب حرب» الشهير لكلوزويتز. واللاعبون غير واضحين دوما فيما يحدث على أرض الواقع، فهم يسيئون قراءة إشارات يرسلها الآخرون أو يتجاهلونها، ويقومون بتصرفات يكون لها تبعات مدمرة أو غير مقصودة.

ويبدو العالم في ديسمبر (كانون الأول) 2010 بالصورة التي تم محاكاتها عالما خطيرا ومرهقا. وإذا كان اللاعبون يريدون حقا احتواء إيران ومنعها من الحصول على قنبلة نووية، فإنهم في حاجة إلى تجنب المصايد التي كانت واضحة جدا في لعبة هارفارد.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»