مظاهرات طلاب إيران: ما أشبه اليوم بالعام 1979!

TT

إن ما عاد يجري في إيران اليوم يذكّر حتما بآخر سنتين من نظام الشاه محمد رضا بهلوي. هكذا بدأت المظاهرات ضده، متفرقة في طهران، ثم صارت مدن أخرى تشارك. كان الطلاب رواد تلك المظاهرات التي بدأت تتدفق في كل شوارع طهران والمدن. وكانت المعارضة في الخارج تتجاوب معهم، وأذكر أنني شاركت في اعتصام لمدة أسبوع في إحدى كنائس باريس قامت به المعارضة الإيرانية عام 1979. كانوا من شتى الفصائل والأحزاب، جمعتهم في النهاية كلمة آية الله الخميني. وكما الحال الآن فإن الديكتاتور لا يتراجع في البداية، لأنه يخاف إن قدم تنازلا أن ينتهي. لكن الشاه انتهى وكلنا نعرف كيف انتهى.

نظامه بعد ثورة مصدق عام 1953 عاش حتى عام 1979، وكان من أقوى الأنظمة في الشرق الأوسط، ومعروفا بـ«شرطي الخليج». النظام القائم الآن يسير على الخطى نفسها. قد يكون عاش أربع سنوات أطول من عمر نظام الشاه، وقد يستمر سنة أو سنتين على الأكثر، لكن كل الإشارات تؤكد أنه يتجه إلى المصير نفسه.

قبل التمعن بما جرى يوم الاثنين الماضي، تجدر الإشارة إلى أن المعارضة الإيرانية من طلاب وشباب وأمهات بدأوا يوزعون «الكلمة» استعدادا للموجة المقبلة من المظاهرات التي ستبدأ في أول أيام شهر محرم، الذي يصادف يوم 18 من الشهر الجاري، وهناك اليوم الكبير «عاشوراء» الذي يقع في 27 الجاري. إذن سنرى المعارضة من جديد في مواجهة السلطة.

بمناسبة «يوم الطالب» تخليدا لذكرى ثلاثة طلاب قتلوا على أيدي استخبارات الشاه عام 1953، أطلق النظام الإيراني الحالي رجال «الباسيج» ضد طلاب الجامعات الإيرانية يضربونهم بالعصي، ويرشقونهم بالقنابل المسيلة للدموع، ويطلقون زخات الرصاص فوق رؤوسهم. لكن لأول مرة في مظاهرات يوم الاثنين هاجم الطلاب ميليشيا «الباسيج» وهم يرددون «نحن لسنا مثل هؤلاء الذين يتلقون الأموال لاضطهادنا».

لم تقتصر المظاهرات على جامعات طهران، بل وصلت إلى مختلف جامعات إيران بما فيها مشهد، وشيراز، وتبريز، وخرمشهر، وخرج. لم يكن الطلاب وحدهم بل شاركهم كثيرون في الشوارع. وهذا يعتبر انتصارا للمعارضة التي أثبتت أنها لا تزال تتمتع بزخم رفضها نتائج انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا.

بعد هدوء نسبي استمر شهرين، نجح الكثير من الإيرانيين في الهرب من بلادهم وتوجه أغلبهم إلى تركيا. أخبروا كيف أن الوضع الداخلي صار خطرا على حياتهم، بعضهم اعتقل، وبعضهم قال إنه تعرض للاغتصاب، والبعض خاف من الاعتقال والتعرض للتجربة ذاتها. وكإجراءات قمعية طالت غير الإيرانيين طردت السلطات الإيرانية صحافيين أجانب مباشرة بعد «فوز» أحمدي نجاد. وتوقفت عن منح تأشيرات دخول لآخرين، ومن بقي فإنه يتحرك ضمن موانع كثيرة آخرها إبلاغهم بعدم مغادرة مكاتبهم يومي 7 و9 من الشهر. لكن المعارضة الإيرانية ملأت الفراغ. وكما نجحوا في تحويل اليوم الذي تخصصه السلطات للتظاهر ضد أميركا وإسرائيل والعالم، نجحوا أولا في التظاهر ضد «فوز» أحمدي نجاد، وضد ما يجري في الجامعات من خرق للحرية الأكاديمية، كما نجحوا في التنسيق في ما بينهم على الرغم من سطوة وقمع الحكومة. تجاوزوا تقليص الحكومة لسرعة الإنترنت، وقطعها لخطوط الهاتف الجوال، وحرمانهم من تبادل الرسائل عبر الهواتف. لجأوا إلى وسائل أخرى، وزعوا «السي.دي»، والمنشورات، ثم صار الإيرانيون يعرفون، عندما تنكب كل الحكومة لقطع وسائل الاتصال عبر الإنترنت والجوال، بأن شيئا كبيرا سيحدث، فيعرفون عندها ما عليهم فعله.

ومن تسريبات عدد من شهود العيان، فإن مظاهرات يوم الاثنين ستزعزع من دون شك حكومة أحمدي نجاد وتقلقها، إذ كانت التظاهرات الأوسع انتشارا منذ أشهر، ونجح الطلاب في إيصال ما يجري إلى العالم. كما نجحوا في تحطيم أبواب الجامعات ليسمحوا للناس العاديين بالدخول والمشاركة.

ربما ليس واضحا كل ما يريده المتظاهرون إنما ما لا يريدونه صار مؤكدا ومعروفا، لا يريدون أحمدي نجاد رئيسا. هناك مجموعات ربما تتطلع إلى تغيير النظام بأكمله، لكن تركيز الطلاب الآن على إيصال ما يجري إلى الخارج.

قد لا تكون المظاهرات تحديا للنظام بأكمله، إذ ليس كل الإيرانيين ضد النظام، إنما النظام صار ضد كل الإيرانيين من غير «الباسيج» و«الحرس الثوري»، وهذه مشكلته الكبرى.

هناك مؤيدون كثر لأحمدي نجاد، إذ صوّت له عام 2005 ما بين 12 إلى 15 مليون إيراني (من أصل 72 مليونا)، والأكثر تشددا هم الأكثر دعما له. ورأينا هذا في مظاهرات يوم الاثنين الماضي عبر ولاء «الباسيج» الذين اشتراهم النظام. قد يكون «الباسيج» نوعا من الشرطة الأيديولوجية، ويقول البعض، إنهم ربما جرى غسل أدمغتهم وهم صبية صغار، لكنهم في النهاية يؤمنون بالنظام ويدعمونه.

تهيئ الحكومة لمظاهرات موالية عندما تسير مظاهرات مضادة، وصار لـ«الباسيج» ذراع داخل الجامعات، وهكذا أثناء المظاهرات المضادة، يقوم هؤلاء بالاصطدام مع الطلاب داخل الحرم الجامعي في حين تطوق قوى الأمن والشرطة مباني الجامعات لمنع الطلاب من الخروج واللقاء بمتظاهرين آخرين في الشوارع.

ثم هناك ما يتعلق بالحرس الثوري، هؤلاء بدأوا منذ سنوات مضاعفة سلطاتهم، لكن بسرعة أكبر قبل أشهر من الانتخابات. ويقول البعض في إيران، وقد يكون على حق، إن الحرس الثوري قام فعلا بانقلاب في إيران، وهو يحاول منذ الانتخابات السيطرة على المنظمات الطلابية، عبر تقوية وجوده في كل الجامعات، وتوسيع سلطاته الإعلامية، ثم إنه حتى يضمن المنظمات الأصولية المخلصة له وللنظام، قام بتطهير جذري في صفوفها، بحيث لم يبق إلا الأكثر تشددا في عدائه للمعارضة وللطلاب الإيرانيين، كما جرى في الإعلام «المخلص» التابع له، والأجهزة الأمنية. ويحاول الحرس عبر فرض سيطرته على الجامعات تحديد المسموح للطلاب بدراسته.

لكن هؤلاء، خصوصا يوم الاثنين، واجهوهم بشعارات تندد بأحمدي نجاد والمرشد آية الله خامنئي.

أن يردد الطلاب المحاطون بـ«الباسيج» والعصي والقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي «الموت لخامنئي» و«الموت للديكتاتور» فهذا يكشف التحدي الكبير الذي اعتمدوه في مواجهاتهم. وما يجدر ذكره أن الإيرانيين حتى فترة قصيرة لم يسمحوا لأنفسهم حتى مجرد التفكير بالتنديد بالمرشد الأعلى. كان الأمر بمثابة جريمة فكر، إذ كان ممنوعا انتقاد الولي الفقيه، لأن شرعية الجمهورية الإسلامية تمنع أن يتجرأ أي إيراني حتى بينه وبين نفسه على انتقاد الولي الفقيه.

وكان زعماء المعارضة، من حسين موسوى إلى مهدي كروبي، يقولون: إننا لا نتحدى النظام إنما نتحدى نتائج الانتخابات ونريد إصلاح النظام القائم.

وكان لوحظ من مظاهرات الاثنين، النوعية الراديكالية التي بلغتها حركة الطلاب، وإصرارهم على مطالبهم.

خامنئي أمامه خياران: إما طرد رئيسه أحمدي نجاد وعندها يحافظ على ولاء الأئمة، إذ إن ولاء الطلاب والمعارضة لم يعد مضمونا، أو يبقي على أحمدي نجاد وبهذا يكون قد بدأ يحفر نهايته.

هذا ما أوصله أحد الإيرانيين إلى الخارج مساء الاثنين الماضي، إذ جرت المظاهرات المضادة على بعد 200 متر من المقر الرسمي لإقامة خامنئي.

إن أهمية مظاهرات الاثنين أن الطلاب قاموا بها، أي الشريحة المثقفة من الإيرانيين التي تعرف جيدا ما تفعل، وأهميتها في نوعيتها أكثر من عديدها. لذلك لاح في تفكير البعض أن الفرصة مناسبة لانقلاب في إيران يطيح بالنظام القائم. ربما هذا تفاؤل يسبق وقته، لكن ما جرى قد يصب الآن في لجوء المتشددين إلى كل الوسائل المتوفرة لتشديد قبضتهم أكثر، وربما يشعرون بأن الوقت حان لاعتقال قادة المعارضة. إذا فعلوا، تدخل المظاهرات وإيران في مرحلة جديدة. ربما لا تدفع مظاهرات يوم الاثنين إلى تغيير فوري، إلا أنها البداية لمظاهرات شهر محرم وما سيليه، حيث ستتوفر فرص كثيرة للطلاب والمعارضة لمضاعفة الضغوط على الحكومة، وسيكون من المثير جدا معرفة كيف سترد الحكومة. الحركة الطلابية لن تتراجع عن طلبها بإنهاء رئاسة أحمدي نجاد، وإعادة إجراء الانتخابات، والتوقعات أن يتضاعف تحديه للعالم، إن كان بإنشاء 20 أو 200 مفاعل نووي، أو التهديدات الموجهة إلى الدول المجاورة قبل إسرائيل. لكن العالم يراقب كيف تنهار هيبة أحمدي نجاد.

إنها مظاهرات طلاب وشريحة كبيرة من الشعب، هؤلاء يسبقون قادتهم. هكذا بدأ التحرك ضد الشاه. إن التاريخ يعيد نفسه، والسؤال هو: ماذا ينفع النظام الإيراني إذا كان أتباعه أقوياء في لبنان وغزة، وهو يضعف في الداخل؟ إن الحفرة الداخلية تزداد اتساعا، وليس الغرب وحده من يراقب الأحداث داخل إيران، إنما الموالون للنظام من غير الإيرانيين.

من المؤكد أن إيران دولة تجب ملاحقة ما يجري فيها، ربما أكثر مما يجري حولها أو في اتجاهها.