القاهرة عشقي وموطني وملاذي!

TT

أنا مشغول «لِشُوشْتِي» هذه الأيام في كتابة كتاب جديد.. يكشف كل «أسرار القاهرة».. وخفاياها.. وهذا الكتاب ليس دليلا للسائح الأجنبي، ولكنه دليل المصريين الذين يعيشون على أرض مصر، بل وفي أحضان مدينة القاهرة، ولا يعرفون، للأسف، سوى أهرامات الجيزة والمتحف المصري وقلعة صلاح الدين والجامع الأزهر والمشهد الحسيني والكنيسة المعلقة وبعض آثار أخرى إسلامية أو قبطية.. على الرغم من أن هناك أزقة وحارات وشوارع وميادين ومتاحف وحدائق وآثارا طغت عليها ضوضاء المدينة الصاخبة العامرة بأكثر من عشرين مليون إنسان!

لا أنكر أنني عاشق للقاهرة ـ قاهرة المعز لدين الله الفاطمي وقاهرة إسماعيل باشا ـ على الرغم من كل النقد الموجه للمدينة العريقة التي تصل ليلها بنهارها، وأصبحت لا أطيق العيش بعيدا عن رحابها منذ أن انتقلت للحياة بها من قريتي العبيدية بمحافظة دمياط. وقبل ذلك ومنذ أن كنت في سن التاسعة كنت أنتظر مجيء الصيف لزيارة عمتي التي تقيم في حي شبرا العريق لأعيش أجمل شهر في السنة، وواظبت على هذه الزيارة إلى سنة حصولي على شهادة الثانوية العامة في سن السادسة عشرة.

وفي كل زيارة كنت وأصدقائي نطوف بشوارع القاهرة وحواريها مشيا على الأقدام وصولا إلى وسط القاهرة التي كانت تعتبر من أجمل الأماكن في الدنيا.. شوارع جميلة نظيفة يتم غسلها ليلا بالماء والصابون.. ومطاعم رائعة متاحة لكل الطبقات، خاصة مطاعم الفول والفلافل والكشري.. كنت وأصدقائي نذهب إلى «جروبي» بشارع سليمان باشا لنحتسي الشاي، ونأكل أجمل أصناف الحلوى، أو نمشي نتأمل واجهات المحلات التي كان أصحابها يتفننون في تزيينها ونظافتها بشارع سليمان باشا وقصر النيل..

وكانت مقاهي شارع عماد الدين تشهد اجتماعاتنا، ولم تكن تفوتنا مشاهدة أحدث أفلام السينما بسينمات عماد الدين، وكذلك المسرحيات التي تعرض على مسارح الشارع العريق، وكانت القاهرة تعج بحركة ثقافية مزدهرة، وكان نجوم فن الكوميديا مثل أمين الهنيدي وفؤاد المهندس وعادل إمام وغيرهم يقدمون أروع الأعمال من دون إسفاف أو استخفاف بعقول الناس، ولم يسعدنا الحظ بأن نشاهد عمالقة المسرح أيام يوسف وهبي ونجيب الريحاني وعلي الكسار وإسماعيل ياسين..

وفي مخيلتي.. كانت ولا تزال أجمل أسرار القاهرة هي أن تصحو مبكرا وتمشي في شوارع قلب العاصمة لتتأمل العمائر الرائعة للقرن التاسع عشر وواجهات المباني الكلاسيكية وطرزها المختلفة التي انتشرت في باريس وفيينا وعواصم أوروبية عريقة، وبقيت على أصالتها، على الرغم من أن مثيلاتها في هذه العواصم قد دمرتها الحروب العالمية..

ولا زلت حتى الآن.. وغدا وبعد غد.. أستمتع وأصدقائي بالجلوس على مقاهي حي الحسين العريق، ومقاهي وسط العاصمة مثل مقهى «رِيش» بشارع سليمان باشا..

إذا أراد أي إنسان أن يفهم أسرار أي مدينة فعليه أن يمشي في شوارعها وحاراتها وأزقتها بعيدا عما يسميه رجال السياحة بالأماكن السياحية والمطاعم السياحية والمزارات السياحية.. فمن الممكن أن يزور الإنسان القاهرة ألف مرة ولا يقف على سر واحد من أسرارها، وبالتالي، فكأنه لم يزر القاهرة..

أنا سعيد بوجود مشروع قومي لإحياء القاهرة وإعادة الألوان الأصلية لعمائرها التاريخية وشوارعها ومنع مرور السيارات بها وجعلها متنفسا لمحبي المشي ولكل عاشق لمدينة القاهرة..

www.zahihawass.com