كوبنهاغن: نداء أخير براكين تطلق حمما..

TT

جبال ثلجية تنهار وتذوب في البحر..

أراض جدباء ودخان أسود..

إنها بعض من المشاهد الفعلية والمضخمة فنيا ودراميا لكنها تصور حقيقة المشهد الذي سيكون عليه الكون بعد سنوات ليست بعديدة إذا لم يتم تدارك ظاهرة الاحتباس الحراري التي تطبق يوما بعد يوم على العالم. تلك المشاهد مع فيض من المعلومات والأرقام التي تعكس التهديد الذي يطال كوكب الأرض تكثف ظهورها عبر الإعلام الغربي من خلال تقارير وتغطيات خاصة أو من خلال مقاطع إعلانية سبقت ورافقت أعمال القمة الدولية التي بدأت في كوبنهاغن والهادفة إلى أخذ قرارات وإجراءات تسهم في خفض درجة حرارة الأرض.

لكن ما بدا جهدا منسقا وعاما في الإعلام الأوروبي والغربي انحسر وغاب في عموم الإعلام العربي الذي لم يتغير سلّم الأولويات الإخبارية لديه كلّ بحسب أجندته وحساباته السياسية.

صحيح أن الملوثين الكبار للمناخ (الولايات المتحدة والصين والهند والاتحاد الأوروبي) يتحملون مسؤولية أكبر في رفع درجة حرارة الأرض، لكن المخاطر المترتبة عن الانبعاثات الكربونية التي تطلقها الدول الصناعية لا تعفي العرب، أنظمة ومجتمعات وإعلاما، من مسؤولية الحدّ من هذه الكارثة. الاحتباس الحراري يتهدد العالم بأسره وتفاقم الظاهرة يعني حرفيا موت المزيد من البشر مستقبلا بسبب الطقس الحار وارتفاع مستويات سطح البحر والأمراض ومستويات الجوع والفقر التي يعاني منها أصلا الملايين في بلادنا.

ليس الهدف التأثير المباشر في نتائج كوبنهاغن لكن الأمل في أن أصواتا موحدة وعالية مثل الافتتاحية التي شاركت فيها 56 صحيفة في 45 بلدا حول العالم يمكن أن تذكّر السياسيين والمفاوضين أن الحياة التي نعرفها هي على المحك وعليهم التعالي على الخصومات والصفقات التي كلفت الإنسانية ولا تزال أثمانا فادحة.

صحيح أن هناك في المقالات والمعلومات المتداولة في الإعلام الإلكتروني والمطبوعات العربية بشأن مخاطر هذه الأزمة البيئية غزارة، لكن يبقى الميل العام هو عدم الاكتراث أو الاهتمام السريع ومن ثم الاستغراق في ما دأبنا على متابعته من انقسامات وأزمات متناسين أن أثمانا عالية ستدفعها الشعوب والمجتمعات العربية غير مختارة جراء هذه الكارثة البيئية.

قلة هم المتفائلون بما ستؤول إليه قمة كوبنهاغن، والبعض لم يخف قلقه من احتمالات تسويات وصفقات تتيح للدول الغنية والصناعية إمكانية الاستمرار في ضخ ملايين الغازات الضارة بعد دفع تعويضات للدول الفقيرة وهذا سيناريو كارثي أيضا.

استعراض سريع للأرقام المتداولة عن واقع المجتمعات والدول العربية سيظهر كم هي أثمان باهظة تلك التي ستقع على العرب إن هم لم يبادروا إلى التحرك، وهنا لا يكفي التشكيك في الأرقام أو المعلومات للتأخر في أخذ قرارات هي بالتأكيد صعبة. ليس التصحّر واجتياح المياه لليابسة هو الملمح المأساوي الوحيد الذي سيطالنا إن فشل قادة العالم في بدء العمل على احتواء المشكلة.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام