كيف تنجح في الحياة؟

TT

كلنا نسعى للنجاح. وكل شيء يتوقف على نجاحنا. إذا أردنا أن نعيش في رفاه، إذا أردنا أن نتزوج بامرأة جميلة، إذا استهوتنا السيارات الفارهة، إذا حلمنا بالعيش في قصور شامخة، إذا أردنا احترام الناس لنا وسماعهم لكلامنا، إذا أردنا تحقيق أي شيء في أي شيء، فيجب أن ننجح ونتميز فيما نعمل. كيف ننجح في تحقيق النجاح؟

يخطر للمرء أن هذا يتطلب الاجتهاد في الدرس وإتقان المهنة والمثابرة في العمل والإخلاص في الوظيفة. كلا. لن يقودنا ذلك إلا إلى الفشل في الحياة. أقصى ما يمكن أن تجنيه من وراء جهودك هذه هو أن تبقى موظفا صغيرا أو معلما مغمورا أو بائع خردة في السوق.

الطريق المضمون والأسهل هو أن تمنع غيرك من التميز والبروز والإبداع والنجاح في عمله. إذا اختص بهندسة النفط فاسعَ لتعيينه معلما للغة الإنجليزية. انشر مقالات عن اقتراب نضوب النفط. إذا درس الأدب المسرحي فاحمل الآخرين على عدم نشر ما يكتب. وإذا نشروا له شيئا فلا تعلق عليه. وإذا ألقى محاضرة فاعمل بتلك الأمسية حفلة في بيتك تستقطب كل العارفين فلا يجد في القاعة من يستمع. أكثر من الاستشهاد بالخطر الصهيوني. إذا قدم اقتراحا لإصلاح الحروف العربية فصفها بأنها مؤامرة صهيونية ضد التراث العربي. إذا ذكر شيئا عن حقوق المرأة، فاتهمه بالإباحية والشيوعية.

إذا نشر بحثا علميا أو عملا أدبيا ففتش عن الأخطاء اللغوية فيه وشهّر بها. إذا أظهر مدى إتقانه للغة الإنجليزية فاتهمه بالعمالة للإمبريالية وقل إنه تعلمها من أسياده الإنجليز. وإذا لم يظهر أي معرفة كافية بها فاتهمه بالجهل لعدم معرفته بهذه اللغة. استبعده من كل المناسبات والدعوات والندوات. إذا سمعت بخطوبته لامرأة متنفذة فانشر إشاعات وحكايات عن إصابته بالعنة. وإذا رأيته جالسا مع تلميذة حسناء فتكلم عن إصابته بالإيدز.

اغرس روح اليأس في قلبه. كلما سمعته يقول أن لا أمل في إصلاح البلاد وإن الديمقراطية لا تتماشى مع الإسلام، فصفق له. إذا رأيته مكتئبا فانصحه بأن يجرب الأفيون والحشيشة. تربص له وتلصص على كل ما يفعل. إذا سمعت بأنه أخذ يفكر بالهجرة، فقل أبشر! هذا أول الخير.

بقمع الآخرين ومنعهم من الإبداع والنجاح في أي شيء، تحصل على نفس النتيجة، وهي تميزك وبروزك أنت بدون أن تبذل أي جهد من جانبك أو تفتش عن أي مواهب أو قدرات قد تكون عندك. تذكر هذه القاعدة الذهبية واجعلها نبراسا لك حيثما تكون في عالمنا العربي: انجح في حياتك بمنع الآخرين من النجاح.

والحقيقة أن لي تجربة شخصية في الموضوع. فبعد أن أنهيت الدراسة في بريطانيا وعدت للعراق، بادر بعض الأصدقاء المخلصين لتحذيري. قالوا احذر يا خالد. لقد سبقك اسمك بمقالاتك في مجلة الآداب. احذر! سيتآمر الجميع على تدميرك. ضم رأسك ولا تبرز ولا تكتب أي شيء. اكتشفت مصداق ما قالوا بعد أشهر قليلة. ركبت الطائرة وعدت إلى لندن لغير رجعة.