السفارة الأميركية بالرياض ومجمع التحرير!

TT

ساقني القدر لسوء حظي إلى السفارة الأميركية بالرياض التي ظننتها مرتبطة بالعولمة والإنترنت، لإضافة أوراق إلى جواز سفري، فوجدت نفسي في عالم مجمع التحرير ورومانيا الاشتراكية. ومجمع التحرير في مصر هو رمز للبيروقراطية المصرية المتبقية منذ أيام الاشتراكية، مبنى يشيع عمارة رومانيا أو روسيا الستالينية، ولا تستطيع أن تحصل على ورقة رسمية منه إلا بعد أن تشتري عشرين ورقة تمغة وتمرّ على عشرة موظفين في عشرة طوابق، وكل واحد أمامه «كباية شاي» وسجادة صلاة لزوم التمويه. ورغم قبح المبنى وتعقيدات البيروقراطية، فإن معاناتك في مجمع التحرير هي نزهة بالمقارنة بالسفارة الأميركية في الرياض ذات المبنى القبيح أيضا. ولكي نعرف الشبه بين السفارة والمجمع، سأروي لكم الجزء المؤدب من القصة، وما فيش داعي للفضايح.

في الرياض لا تقف سيارتك عند السفارة، بل تقف بعيدا عنها بنصف كيلو متر تقريبا، وتمشي من هناك إلى مبنى السفارة، الذي يمنحك إحساسا بأن المكان سينفجر بعد لحظات، فتستعيذ بالله وتقرأ سورا من القرآن كي تذهب عنك الرهبة، تمشي وكأنك في طريقك إلى قلعة ساكنوها مسكونون بالخوف من كل شيء، ولكن ليست هذه القصة، فللسفير الحق في حماية سفارته، خصوصا بعد أحداث تفجير السفارات الأميركية في أفريقيا.

المذهل هو ما إن تصل البوابة حتى تمر على تفتيش غريب، يديره بعض الإخوة من بنغلاديش والفلبين والهند، ولا تعرف أي لغة يتكلمون، فهم لا يتكلمون لا العربية ولا الإنجليزية، ولكنه خليط منهما، وفجأة تجد نفسك تتكلم مثلهم.. قنصلية.. want.. باسبور.. تجديد.. where.. window. وأنت وحظك.

وما إن دخلت حتى قابلت شابا فلبينيا قصيرا قال here.. sit.. قلت له هل لي أن آخذ ورقة تحدد دوري بين الحاضرين، أشار إلى الشباك وقال NO.. sit وجلست حتى أشارت إليّ سيدة من خلف الشباك يبدو أنها فلسطينية حدثتني بإنجليزية بلهجة مخيم عين الحلوة. قلت لها أريد أن أضيف أوراقا إلى جواز سفري. ولغير الأميركيين، يمكنك إضافة أوراق إلى جواز السفر طالما أن مدة صلاحيته سارية، لمن أوراق جوازه انتهت نتيجة لكثرة الأسفار، فلا داعي لاستخراج جواز سفر جديد. فقط تطلب أوراقا إضافية.

قالت السيدة بإنجليزية مخيم عين الحلوة، خذ هذه الورقة واملأ طلبا. قلت لها لقد ذهبت إلى صفحتكم على الإنترنت، وملأت الطلب الإليكتروني كما تقول توجيهاتكم وأرسلتها قبل أن آتي إلى هنا، أليست هذه سفارة أميركا، أم أنني ضللت الطريق إلى سفارة توجو؟ قالت لا.. لا.. أميركا طبعا، عبئ طلبا جديدا هنا، وبقلم أسود، وأدخلتني في عالم الدول الاشتراكية ومجمع التحرير، ولكن بنسخة المخيمات، لا بنسخة القاهرة. سألتها: ألا يوجد لك رئيس أتحدث معه، واضح أنك لا تفهمين ما قلت. فأتت بسيدة أخرى تتحدث الإنجليزية بلهجة لبنانية، امرأة أسمن من السابقة وعليها علامات السلطة كما لو كانت حلفت لكي تكرّه البشر في أميركا.

قلت لها أريد أن أضيف أوراقا إلى جواز سفري، قالت: اللوائح والتعليمات تقول إننا لا نستطيع أن نفعل ذلك. قالتها بلغة رومانيا أيام الاتحاد السوفياتي القديم. لم يكن متاحا هناك أي من موظفي وزارة الخارجية الأميركية، فالكل من الموظفين المحليين الذين اختارتهم السفارة من أحياء الرياض الفقيرة مثل منفوحة أو السويدي. خرجت غاضبا لسوء المعاملة التي تبدو وكأن الأميركان اليوم أصبحوا جزءا من العالم الثالث. لم أغضب لنفسي، ولكنني غضبت لمعاملة هؤلاء الموظفين المحليين لأبناء البلد من السعوديين الذين جاءوا لمراجعة القنصلية من أجل الحصول على فيزا أو ما أشبه.

قلت لنفسي: إذا كان هؤلاء هم وجه أميركا في القنصليات وواجهتها للخارج، فهذا يكفي أن يكون مبررا لكراهية أميركا وأهلها وزيادة. أعرف أميركا جيدا، فالمجتمع الأميركي ليس بهذا القبح أو الغباء الذي رأيته في السفارة في الرياض. المطلوب هنا هو أن يتبنى السفير في الرياض، تحديدا، ووزيرة الخارجية، برنامج إعادة تدريب وتأهيل هؤلاء الموظفين المنفّرين للمواطن الأميركي وللمواطن الذي يسعى للحصول على فيزا لزيارة أميركا أو للدراسة. الإجراءات لابد وأن تكون صارمة، ولكن لا ينبغي أن تكون منفرة أو فاسدة بالصورة التي رأيت. ولم أفصح بعد عن مجمل ما حدث أو كل ما رأيت في سفارة أميركا في الرياض. أميركا تستحق أن تمثلها وجوه أفضل مما رأيت. وللقصة بقية تكسف.