بغداد ـ أربيل.. المحطة قبل الأخيرة!

TT

تنوي الإدارة الجديدة في حكومة برهم صالح أن تبدأ الجولة الاستكمالية للحقيبة الخامسة بالخطوة الجديدة لحقيبته السادسة برسم سياسة التفاوض المرنة والمنسجمة بين إقليم كردستان والعراق الفيدرالي في الربع الأخير «المتبقي» لحقيبة المالكي الحالية.

هناك بالطبع ملفات ساخنة ومركونة بين أربيل وبغداد، من أهمها إجراءات تنفيذ المادة 140 والبتّ في التطبيع وإعادة الخارطة الإدارية في كركوك على ما كانت عليه قبل استقطاع الأقضية والنواحي وضمها إلى محافظات مجاورة بهدف تغير الواقع السكاني في المدينة. ومن الملفات التي ستأخذ ـ بلا شك ـ مسارا جدليا بين صالح والمالكي مسألتا قوات حرس الإقليم وعقود النفط وسياسته الاقتصادية. كان لرئيس حكومة الإقليم دور بارز في رسم سياسة العراق في حكومة (الائتلاف ـ التحالف) المشتركة، وهنا يمكننا أن نقرأ العلاقة التي كانت تربط رئيس الوزراء العراقي بنائبه في المجال الإداري ـ والسياسي أيضا ـ والذي كان يتسم بالصعود والتكاتف أحيانا في قضايا العراق المشتركة، وهبوطا في السياسة الداخلية في موقف المالكي وسياسة تسليط الزمن لإيجاد الحلول للمشكلات الداخلية، وبخاصة في ما يتعلق بعلاقة الإقليم الكردستاني بالعراق الاتحادي.

حكومة برهم صالح تنوي أن تُفرَغ الأجواء المشحونة على صعيد العلاقات وأن تعيد بناء جسر الثقة المتبادلة بإرسال إشارات إيجابية لاستقطاب المحاورين البغداديين إلى طاولة تفاهم جديدة برؤى أكثر انسجاما مع الواقع العراقي ووحدة أراضيه وصفّه الوطني والقطري.

أربيل تبدو جادة ـ مثلما كما كانت من قبل ـ في الوصول إلى الصيغ التوافقية واستكمال الرسم الجديد للتعايش السلمي بين العرب والكرد، لكن الصيغ والمفردات التي ربما ستستخدم في التلاقي الجديد بين أربيل وبغداد منبثقة من رابط الدستور والبنود التي رسمت علاقة الإقليم بالمركز. فهناك مثلا مساحات واسعة ومستقطعة من الإقليم تدار ضمن العراق الاتحادي، الأمر الذي يهدد الأرضية التي سوف تتهيأ لبدأ الشوط الجديد من الحوار السياسي الصريح بين الطرفين.

ومن ضفة بغداد، هناك بلا شك مواقف مسبقة لرفض أي تغير إداري حتى لو كان ضمن الرسم الدستوري وحلوله المطروحة حول مسألة كركوك والمناطق المتنازع عليها، فغالبا ـ بل دوما ـ نجد تحالفا وتضامنا من العرب والتركمان حول مدينة كركوك وتكاتفهم لرفض أي حل سياسي أو قانوني بل وحتى دستوري ما دام يتعارض وطموحاتهم السياسة ومحاولتهم لإبقاء الوضع السكاني على ما هو عليه الآن، بل وإصرارهم لإبقاء مدينة كركوك ضمن خارطة المركز وإبعادها عن الانضمام جغرافيا إلى الإقليم الكردستاني. لذا نرى أن ثمة عقبات تلاحق بغداد وأربيل دوما وتجعل النفق مسدودا حتى قبل البت في أي جولة تفاوضية جديدة بين الطرفين، لكن رغم ذلك لا يمكن إخفاء جدية أربيل وحرص بغداد لطيّ هذه الملفات والبدء في مرحلة بناء العراق الجديد المتحد بكل مكوناته والصعود به إلى المستويات الأكثر تقدما وديمقراطية في المنطقة. من هذه الزاوية فقط يمكن أن نرى أن أربيل تريد أن تمر ومن خلال كل المحطات حتى تصل قبل الأخيرة وتفاوِض بغداد وبالطريقة المرنة والمنسجمة والسياسات العصرية لمواجهة الأزمات المعقدة، حتى تستطيع بناء الثقة الكاملة ببقاء الإقليم ضمن العراق وبجغرافيا موحدة لكن بتحديد هوية المحافظات المتنازع عليها واستكمال الحلول الموضوعة ضمن الدستور من دون تدخل من يهدف إلى زعزعة الأمور ووضع مسافات بين الكرد والعرب. الجولة الجديدة للحوار الجاد بين صالح والمالكي ستكون بمثابة المحطة قبل الأخيرة لرسم السياسة الجديدة في العراق وقراءة القومية الشريكة الثانية في العراق الاتحادي. ولا يُستبعد أن تحمل حقيبة صالح التفاوضية مفاجآت لتجذب حكومة المالكي لإبداء المرونة المماثلة، لأن هناك ـ كما عُلِم ـ حقولا من الاحتياطات الضخمة قد تم اكتشافها في كردستان، الأمر الذي يشجع المالكي على التقرب من اللغة التفاوضية المشتركة والانسجام مع المفاجآت الجديدة!

* كاتب سياسي من كردستان العراق