تحالف البشتون وباكستان سيقوض أجندة أوباما في أفغانستان

TT

حسبما أعلن مؤخرا، من الواضح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يراهن على أن إرساله 30.000 جندي إضافي إلى أفغانستان من شأنه إحداث تغيير سريع في توازن القوى داخل ميدان القتال، وتقليص الدعم المحلي لجماعة طالبان، وتعزيز خصومها المحليين، ومنح مساحة لالتقاط الأنفاس أمام حكومة كابل كي تتمكن من تطهير صفوفها، والسماح للمساعدات الإنسانية والتنموية بالوصول إلى المناطق الريفية وربما اجتذاب بعض عناصر طالبان ممن أنهكتهم الحرب إلى طاولة التفاوض. وبذلك، يحرم تنظيم القاعدة من أي ملاذ، الأمر الذي سيسمح بإنجاز المهمة الأميركية.

بصورة رئيسة، أعلن الرئيس الأميركي تعزيز القوات الأميركية في أفغانستان لفترة قصيرة بهدف تمهيد الساحة لتنفيذ أجندة سياسية طويلة الأمد، والتي أقرت للمرة الأولى من قبل إدارة بوش عام 2002، والتي تركز على الحكم الرشيد ومحاربة الفساد وتدريب قوة شرطية مهنية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ونظرا لفشل المشروع السياسي طوال الأعوام الثمانية الماضية، يرى المنطق السائد في الإدارة الحالية أن القوة العسكرية وحدها هي القادرة على إحياء الظروف الملائمة لإنجاح هذا المشروع. وعليه، فإن الأمور برمتها تعتمد على إحراز تقدم عسكري على صعيد مكافحة التمرد.

وتبقى الحقيقة بالفعل أنه في وقت لا تزال فيه طالبان مستمرة في تقدمها، وتجسد حكومة كابل أكثر من أي وقت مضى دولة منهارة، فإنه ليس هناك ما يمكن صنعه من دون تعزيز القوات العسكرية. حاليا، يراود طالبان شعور بقرب النصر، مما يجعلها غير آبهة بالدخول في مفاوضات. وعليه، بات الخيار الوحيد القائم إما الانسحاب أو تصعيد القتال.

لكن التساؤل الذي يفرض نفسه بقوة الآن: هل ستنجح جهود مكافحة التمرد الجديدة؟

على ما يبدو، تدور الفكرة القائمة الآن حول استخدام الأساليب التي سبق أن أثبتت نجاحها شمال العراق، المعتمدة على تقليب الزعامات القبلية التقليدية ضد طالبان الراديكالية، وعرض حوافز عليهم، على أمل أن ينقلب القطاع العريض من الشعب ممن لا يشاركون «القاعدة» أجندتها ضد الجماعة.

في إطار وجهة النظر تلك، تشكل حكومة كابل الفاسدة وغير الجديرة بالثقة ثقلا أكثر منها أصلا مفيدا، مما يعني أنه سيتعين على القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) المشاركة سياسيا على المستويات المحلية، بدلا من تسليم مسؤولية التعامل مع الشؤون الداخلية إلى كابل بمجرد تمهيد الساحة وإخلائها من المتمردين.

من أجل نجاح مثل هذه السياسة، يتحتم تفهم طبيعة العصيان المسلح الذي تنفذه طالبان على نحو صحيح، ويجب كذلك، على الأقل، تحييد النفوذ الباكستاني في أفغانستان، ودفعه باتجاه إيجابي.

يعد عصيان طالبان المسلح حركة عرقية واجتماعية في آن واحد، حيث تجسد هذه الجماعة اعتناق البشتون لمبدأ «التحريرية الوحدوية» والتحول باتجاه نظام قبلي تقليدي. الملاحظ أن حركة التمرد مقتصرة على المناطق أو الجيوب التي يقطنها بشتون، في الجنوب والشمال وباغلان وقندوز وبالك وبادغيس، التي تقع أعمال التمرد بها في الغالب على يد «الحزب الإسلامي» بزعامة قلب الدين حكمتيار. أيضا في باكستان ينتمي جميع سكان «المناطق الإسلامية المحررة» إلى البشتون. أما المسلحون الإسلاميون من غير البشتون فيختارون سبلا أخرى للعمل.

من جانبها، لم تغفل القوى الغربية قضية الإحباط الذي يسيطر على البشتون جراء إقصائهم عن السلطة. وقد ساندت هذه القوى تفكيك قوات «التحالف الشمالي» غير البشتونية التي سيطرت على كابل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، الأمر الذي شكل مهمة يسيرة نسبيا في أعقاب اغتيال زعيمهم ذي الشخصية الكاريزمية، أحمد شاه مسعود.

بيد أنه اليوم لم يعد في متناول غير البشتون داخل أفغانستان أدوات عسكرية يمكنهم حماية أنفسهم من خلالها في مواجهة عودة دموية ممكنة لطالبان، وليس بإمكانهم الاعتماد على جيش وطني أفغاني. وعليه، فإن المعضلة القائمة تكمن في كيفية تهدئة البشتون من دون إلحاق مزيد من الضعف بالمجموعات العرقية الأخرى التي تجعل منهم مخاوفهم من عودة طالبان حلفاء مثاليين لقوات «الناتو».

يذكر أن السبب الأكبر وراء تعيين الرئيس حميد كرزاي يعود إلى قدرته على تجسيد هوية بشتونية تقليدية. عندما تولى السلطة، جلب كرزاي معه كثيرين من البشتون من الشتات الأفغاني. وعمد إلى تعيين محافظين من البشتون واستغلال التقاليد البشتونية بما يخدم مصالحه. إلا أن جهوده لم تُجد نظرا لأن الطبقة الأرستقراطية القبلية التي يمثلها فقدت جذورها داخل المناطق القبلية.

في شمال العراق، استجاب القادة القبليون التقليديون برضا لمحاولات الجنرال ديفيد بيترايوس التقرب إليهم بهدف التخلص من تهديد مقاتلي «القاعدة» من غير العراقيين الذين تجاهلوهم أو حاولوا قمعهم. إلا أنه عند النظر إلى الوضع في أفغانستان وباكستان، نجد أن القيادات القبلية من مثل هذا النمط تكاد تكون اختفت، وحل محلها نخبة جديدة من أعضاء طالبان الشباب من خريجي المدارس الدينية، والذين يتسمون بارتباط أكبر بباكستان والخليج من ارتباطهم بالغرب.

والتساؤل الآن، ما الدور الذي يمكن لباكستان الاضطلاع به؟ إذا ما عثرت طالبان على ملاذ في باكستان، سيصبح بمقدورها بسهولة الفرار من الوطأة العظمى لجهود التعزيز العسكري على مدار العامين المقبلين. ومن المنطقي أن تتوقع الجماعة عجز الولايات المتحدة عن تعزيز قوة مضادة داخل الحزام القبلي الأفغاني أو تعزيز حكومة كابل. وعليه، فإنه ليس عليها سوى الانتظار. من ناحية أخرى، فإن الضغوط من الخارج على باكستان لا تؤتي سوى بنتائج ضئيلة تتمثل في إلقاء القبض على أو قتل بعض زعماء طالبان أو كوادر «القاعدة». حتى الآن، استغل الجيش الباكستاني كلا من طالبان ومسلحين إسلاميين كأداتين تعمل بالوكالة لصالحه لتنفيذ سياسة إقليمية تقوم على فكرة «العمق الاستراتيجي» في مواجهة الهند. ولا يزال الجيش الباكستاني يرغب في وجود حكومة إسلامية بشتونية في كابل.

وقد اعتمد هذا التعاون المعقد والخطير بين الجيش وطالبان على اتفاق مفاده أن طالبان، سواء الأفغانية أو الباكستانية، بمقدورها دفع أجندتها في أفغانستان أو المناطق الواقعة شمال غربي باكستان، لكن لا ينبغي أن تناوئ قيادة الجيش الباكستاني. وقد نقضت طالبان هذا الاتفاق عندما شنت غارة من معقلها في وادي سوات عبر منطقة بنر في اتجاه إسلام آباد. وعليه، لم يكن أمام الجيش من خيار سوى شن هجوم مضاد. لكن الجيش الباكستاني لا يرمي إلى تدمير طالبان، وإنما إجبارها على الإذعان له بعد تجاوزها الخط الأحمر المرسوم أمامها.

وطالما أن الجيش الباكستاني لا ينظر إلى حملته ضد طالبان باعتبارها مسألة حياة أو موت في حد ذاتها، فإنه لن يساعد بأي صورة جادة في تنفيذ أجندة واشنطن و«الناتو» داخل أفغانستان. يذكر أن باكستان ظلت تقاتل داخل أفغانستان عبر جماعات تعمل بالوكالة على امتداد أكثر من 30 عاما. وبمقدورها الانتظار حتى رحيل القوات الأميركية وقوات «الناتو» عن المنطقة.

حسب وجهة نظري، من المتعذر تحقيق أي تغيير جوهري في الأوضاع في أفغانستان إلا من خلال إيجاد سبيل للتخفيف من مشاعر الإحباط التي تغمر البشتون في أفغانستان، ودفع باكستان للتخلي عن سياستها المستمرة لعقود طويلة القائمة على دعم الإسلاميين أصحاب النفوذ في أفغانستان. من دون صياغة سياسة أوسع وأكثر تناغما تتضمن هذه العناصر، فإن الجنود الـ30.000 الإضافيين القادمين من الولايات المتحدة وأقرانهم من «الناتو» لن يخلقوا أي اختلاف حقيقي.

*مؤلف كتاب «الإسلام المتعولم: البحث عن أمة جديدة».

*خدمة «غلوبال فيوبوينت».

خاص بـ«الشرق الأوسط».