الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان.. التأرجح بين خطاب الأمس واستحقاقات التغيير

TT

يبدو أن حلم المصالحة وتصفية النيات بين القيادات السياسية العربية وبين الكردية، يشوبه بعض الغموض والضبابية، ما دام يصطدم بذهنيات لم تغادرها ثقافة ما قبل التغيير في عام 2003 إذ ما زال ظل العقلية الشوفينية البعثية يغطي مساحات واسعة من عقول البعض منهم، ومفعولها السحري ساري المفعول! إذ نجد بعض النواب قد شمر ساعده ووظف جميع إمكاناته، لتخوين وشتم الكرد واتهامهم بشتى أنواع التهم، وعلى مدار مدة الدورة النيابية التي امتدت نحو أربع سنوات ونعيش حاليا أيامها الأخيرة، متناسيا هذا النائب أنه يمثل العراقيين لا محافظته فقط، فلم نتذكر له أي موقف في أي قضية أخرى سوى البحث عن فرصة للاتهام أو تحميل المسؤولية أو إدانة الكرد، وتفسير أي معضلة أو مشكلة بأن الكرد يقفون خلفها، حتى التفجيرات الإرهابية إذا ما لم يصرح بشأنها فهو يلمح بمسؤولية الكرد عنها! وهناك سياسي رفيع المستوى في الحكومة الاتحادية، يستثمر المناسبات السياسية للتضييق على الإقليم، محاولا فرض وإشاعة ثقافة الحكومة المركزية، لدغدغة الراسب الشوفيني من مخلفات العهد الصدّامي في الذهنية الشعبية، دون الارتقاء بوعي الناس نحو ثقافة تحترم التنوع والتعدد واحترام الآخر.

فما جرى من شحن وتعبئة لمعاداة الكرد، وعلى مدار أكثر من أربعة عقود، من الصعب إزالته بمواقف وقرارات فوقية، لذلك نرى نشوب النزاعات والخلافات بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، يجري لأتفه الأمور سواء السياسية منها أو الاقتصادية وغيرها، مما خلق حالة من عدم الاستقرار، فضلا عن أن هذا السلوك لا يوحي بالانتماء إلى عراق موحد، وكأن سنوات حكم البعث وإجراءاته التعسفية والعنصرية والتهجير والقتل وتدمير آلاف القرى الكردستانية، لم تجسد درسا نافعا وبليغا لأولي الألباب! بل البعض منهم ميالون إلى تكرار السيناريو السابق ذاته من جديد.

إذ ما إن يصرح مسؤول كردي، حتى تنفجر بوجهه سلسلة من الردود المضادة، بوصف مضامين خطابه، أنها تتعارض مع وحدة العراق، وتأتي التصريحات التي تأخذ شكل «لازمة» تتردد بمناسبة وغير مناسبة، بأن الكرد يرفعون سقف مطالبهم، وما يجري ينسجم مع دعواتهم الانفصالية! إلى غيرها من التوصيفات الجاهزة والمعدة سلفا.

فعلى سبيل المثال، جوبه التصريح الذي أدلى به السيد مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، بإدماج البيشمركة في لواء واحد بعد توحيد إدارتي الحزبين والذي هو حق مشروع على وفق القانون والدستور العراقي، رأينا كيف أن الفرقاء السياسيين في الحكومة العراقية، قد توحدوا بمختلف توجهاتهم، وهم المختلفون دوما في كل شيء، فقد اتفقوا على مجابهة هذا التصريح، ولم يكتفوا بذلك بل طالبوا بإغلاق الكليات العسكرية في كردستان، على الرغم من أن قوات البيشمركة معترف بها في الدستور العراقي كحراس حدود ضمن الجيش العراقي، إلا أن الناطق باسم الحكومة الاتحادية وصف هذا الأمر بالمستحيل.

هنا أود توضيح أمر هو أنه لولا سنوات الحرب الأهلية في كردستان، لما كانت ثمة إدارتان لبيشمركة كردستان، لأن البيشمركة دخلت كردستان إبان الانتفاضة بقوة واحدة واستطاعت الدفاع عن كردستان حتى في ظل حكم النظام البعثي في بغداد لعدة سنوات. وكما هو معلوم فإن الجيش العراقي ما زال يلاقي صعوبة بحماية مواطنيه في الوسط والجنوب، وخير دليل على ذلك سلسلة الانفجارات التي جرت في مراكز حساسة وغاية في الأهمية بالعاصمة مؤخرا، فأنّى لهم حماية إقليم كردستان الذي بفضل قواته يتمتع باستقرار لا مثيل له في مناطق العراق كافة؟

وإن كردستان تعد البوابة الأمنية لحماية شمال العراق من تسلل الإرهابيين وملاذا آمنا للشعب العراقي بمكوناته كافة، ومن ثم ما الضير من وجود جيش قوي في أي جهة من جغرافية العراق ما دام تابعا للجيش العراقي الموحد؟ بل كان الأحرى بالحكومة المركزية، أن تستثمر هذه الإمكانات لدعم الجيش العراقي، ولكن بدلا من ذلك، حلت لهجة التراشق بالكلمات، مما جعل المواطن الكردي في شك من نيات الحكومة المركزية تجاه كردستان، كما يحيلنا هذا السلوك لمواقف النظام العراقي السابق، إذ يعدون أي مبادرة أو توجه سياسي، بأنه يقع ضمن دائرة الانفصال المهيمنة على مخيلتهم ومن ثم يبدأون بالتهديد والوعيد والإقصاء والتهميش.

مما يضعك إزاء احتمالين: إما أنهم يجهلون الفيدرالية وإما أنهم يتجاهلونها، ومصداق ذلك قول الدباغ: «إنه واقع قد فُرض علينا»، متناسيا أن شعب كردستان، استطاع إخراج قوات صدام بعد الانتفاضة بجهوده الذاتية الصرفة، ومد يد العون للجيش العراقي، واختار الاتحاد الفيدرالي في جمهورية نيابية (برلمانية) ديمقراطية، باختياره الحر لإيمانه الأكيد بذلك، وكان الإقليم يتمتع بوضع خاص قبل سقوط النظام ومعروف لدى لجميع.

ومع سوقنا لهذه الرؤية، فإننا لا ننسى أن ثمة جهات سياسية عربية لها مواقف متوازنة ومتفهمة لخطاب القيادات السياسية الكردستانية، فضلا عن مواقفها الحليفة والاستراتيجية المشهودة.. كما تمتد العلاقات النضالية مع قوى ومكونات الشعب العراقي من عرب وتركمان ومسيحيين وصابئة وغيرهم إلى أيام النضال المشترك ضد الفاشية.. إذ برهنوا بتضحياتهم، حقيقة التحالف والأخوة السرمدية بين الكرد والعرب وباقي المكونات القومية والدينية والطائفية، وخضبوا بدمائهم سهول ووديان وجبال كردستان.

* كاتبة وأكاديمية من إقليم كردستان العراق