ولكنهم يكذبون!

TT

قال ابن زيدون الشاعر الأندلسي:

وقد يستدام الهوى بالحذر

ولكنه لم يستطع أن يديم الحب، ولا استطاع أن يحذر أو يحترس أو يسكت.. ولكن افتضح أمره، وهو الذي ساعد على ذلك، ولقي ابن زيدون بسبب غرامه الوحيد ما يستحقه الشاعر عندما يفقد عقله..

وهو الذي قال في المحبوبة:

أتلفتني كلفا أبليتني أسفا

قطعتني شغفا أورثتني عللا

ولم ينفع. ولم يشفع له عندها..

قال مصطفى صادق الرافعي في الأديبة مي زيادة:

إن الظلام الذي يجلوك يا قمر

له صباح متى تدركه أخفاكا

ولم يظهر له صباح.. ولذلك بقي القمر بدرا في السماء.. في سمائه هو. فقد ضجت مي زيادة من الحب من طرف واحد، وقالت: «لا أحببته ولا جلست إليه، ولا صارحني ولا صارحته». وظل مصطفى صادق الرافعي ينتظر زوال الظلام ومطلع الشمس حتى يختفي هذا القمر من سمائه هو!

قال كامل الشناوي:

كوني كما تبغين لكن لن تكوني

فأنا صنعتك من هواي ومن جنوني

ولقد برئت من الهوى ومن الجنون

أما أنه صنعها من هواه فصحيح.. وأما أنه كان مجنونا بها ـ وكل الشعراء العشاق أيضا ـ فصحيح أيضا.

وأما أنه قد برئ من هواها، فليس صحيحا. وكل الشعراء لا يبرأون من الجنون حتى لو أرادوا! وأكثرهم لا يريد. فهم يحبون الحب ويجدون لذة في العذاب.

يقول محمود حسن إسماعيل:

تسبيحه من نثار الدمع منتظم

والنوح ثورة هم في مغانيه

على الصبا كدت يا قلبي تموت أسى

فكيف لو شبت تحيا في لياليه

هذه أبيات أرسلها الشاعر إلى فتاة جميلة قيل له إنها كانت تحبه وتبكيه وهو لا يدري. فكتب هذه الأبيات، مع أنه لم يكن هناك حب، ولكنه توهم وذهب بعيدا. وفوجئ بأنها لم تمت، وإنما خدعوه. فكتبت له رسالة من كلمة واحدة: كذاب! وليس وحده، فكلهم كذلك يا سيدتي، ولا يزال أجذب الشعر أكذبه!