أفكار جريئة لقيادة الإعلام العربي

TT

كان ملتقى قادة الإعلام العربي في مملكة البحرين الأسبوع الماضي من أهم أحداث رحلتي الشتوية الأولى هذا العام إلى الخليج وأكثرها ثراء. السبب العنوان الذي اختاره السكرتير العام للملتقى، الزميل ماضي الخميس (وهو شعلة لا تنطفئ من النشاط المتواصل بين الصحافة والسياسة).

«لقاء قادة الإعلام العربي» أثار تساؤلاتي. ماذا قصد الخميس بكلمة «القادة»؟

هل قصد بـ«العربي» لغة الإعلام، أم منطقته الجغرافية، أم جنسية أغلبية حملة أسهم شركاته؟

أم ما يصل بلدان الجامعة العربية (سكرتيرها العام كان يفترض حضور الحفل الافتتاحي برعاية سمو الشيخ خليفة بن سلمان رئيس وزراء البحرين، لكنه أناب عنه سفير الجامعة في المنامة).

وهل تعتبر محطات كالـ«بي بي سي» العربية، و«24» الفرنسية، و«المحطة» الروسية و«الحرة» الأميركية إعلاما عربيا؟

وماذا عن القيادات؟

سياسية؟

كان هناك وزيران للإعلام فقط، مي آل خليفة، وزيرة الإعلام البحرينية التي أشارت كلمتها الإيجابية إلى رغبتها في تطوير الإعلام المترجمة إلى خطوات عملية رغم أن غالبية الصحف البحرينية ليست حكومية.

الآخر وزير الإعلام الجزائري ـ والذي التقط ماضي الخميس صورته، خلسة، جالسا في ود بجانب رئيس تحرير مطبوعة مصرية دون أن يدري أيهما، بينما الدخان لا يزال متصاعدا من جمر أحداث الشغب التي أعقبت مباريات مصر والجزائر. (التغطية الإعلامية غير المسؤولة لصحف جزائرية ومصرية فرضت نفسها في مناقشة عن تفضيل التوزيع على أي اعتبار آخر).

جاءت ندوات البحرين، في اعتقادي، أكثر ملتقيات الصديق الخميس عمقا في تناولها الصحافة بسبب اتخاذها شكل مناقشة المائدة المستديرة، وان كان ترتيب المناضد جعلها مستطيلة، بطريقة الضغط على زر الميكروفون أمام أي مشارك، وبالتالي كانت فرصة لتبادل الأفكار بشكل مركز، وأحيانا ما اتخذت طابع الجدل الثنائي بين مشاركين.

طريقة إدارة الندوة، والتي أرجو أن يقدمها الخميس إلى بقية أعضاء الملتقى مع توصية باعتمادها لندوات الملتقى القادمة، أدت للتعمق في مناقشة الأطروحات سواء كانت واحدة من سلبيات الصحافة العربية (الرقابة الذاتية، وخلط الرأي بالخبر، والأدلجة، والتكرار بالاعتماد على الوكالات، إلخ) التي يسعى الملتقى إلى معالجتها؛ أو مناقشة تطوير الإعلام لحاقا بالتكنولوجيا ـ والذي استحوذ على نصيب كبير من المناقشات لكيفية استفادة الصحافة العربية منها.

فعند ظهور الجيل الثاني من التليفون الموبايل قبل عشر سنوات، كم منا كان يتوقع أن يصبح المحمول وسيلة إعلام؟

ظننا أنها ثورة عندما استخدمناه، إلى جانب المحادثات والتيكست، «كمودام» modem يوصله المراسل باللابتوب ليرسل به تقريره إلى صحيفته؟

في ملتقى البحرين، نوقشت حقيقة تحول التليفون المحمول إلى وسيلة إعلام يتلقى بها صاحبها الأخبار فور حصولها من الصحيفة أو وكالة الأنباء في شكل تيكست، أي رسالة يقرأها على شاشة الموبايل الصغيرة، أو حتى يسمعها إذا كان يقود سيارته، من مجموعة أخبار (مال، رياضة، حالة الطقس) تم تفصيلها على مقاس احتياجاته، من دون أن يتصل بموقع أو «سيرفر» باحثا عن الأخبار ـ كما يحدث بإيصال الكومبيوتر بمحركات البحث.

اختصار الوقت والجهد والمال، بوصول الخبر للمتلقي فور وقوعه، بل نوقش تطوير الفكرة وسرعة انتشارها بين المشاركين.

أدير ملتقى البحرين بطريقة أفضل وأكثر إثمارا من الطريقة الغالبة على معظم المنتديات واللقاءات العربية، وهي شخص، أو مجموعة أشخاص على منصة عالية، وبقية المشاركين في القاعة، يمر الميكروفون النقال إلى من يلمحه مدير الجلسة رافعا يده فيطرح سؤالا أو مداخلة، غالبا ما لا يستطيع إعادة مناقشتها إذا لم يصب من يجيب عن السؤال من المنصة كبد حقيقتها.

تركيبة إدارة الندوات هذه أجابت عن معظم أسئلتي التي بدأت بها المقال، خاصة المقصود بعبارة «قادة الإعلام العربي». وإذا لم أكن قد أسأت الفهم أو تحول ذهني بعيدا عن موضوع الندوة (واللوم على المورفين وثلاثة أنواع أخرى من أقوى مهدئات الألم التي تكاد أن تلحقني بمايكل جاكسون إذا لم تنجح الجراحة المنتظرة في إنهاء آلام العمود الفقري التي تحرمني من النوم ليلا، ومن الجلوس لأكثر من 20 دقيقة نهارا)، فقد استخلصت أنها ليست بالقيادة السياسية لوزراء الإعلام العرب، خاصة أنني من المتحمسين لإلغاء وزارات الإعلام التي أرى في كثير منها رقيبا على حرية التعبير، أو ورشة لتركيب آلة الرقابة الذاتية في عقل الصحافي والكاتب العربيين؛ أو مكبرا للصوت لترويج أيدولوجية الزعيم المعلم الملهم القائد ـ وهناك استثناءات جعلتني أعيد التفكير، ومنهم وزيرة إعلام البحرين ووزير الإعلام العماني اللذان يعملان بجهد وإخلاص على لعب دور ممهد الطريق لسير عربات الإعلام ـ بما فيه الخاص ـ بسلام وهدوء، بل والعمل على إيجاد السائقين المهرة لهذه العربات.

وينقلني هذا لمسألة تدريب الصحافيين واهتمام هذين الوزيرين بالذات بها، حيث أن العديد من مداخلات المشاركين في الندوة، وهم في غير مراكز قيادية رسميا أو تقليديا (أي كناشرين أو أصحاب قنوات فضائية أو كرؤساء تحرير) ينطبق عليهم وصف «قيادات» بسبب رؤيتهم المستقبلية لمعالجة مشكلة الحاضر، خاصة بالتركيز على أهم عنصر في الصحافة (مقروءة، مسموعة، مشاهدة أو إنترنت) وهي الصحافي نفسه. أي العامل على أرض المصنع الإعلامي الذي ينتج السلعة الإعلامية ـ والتي أصبحت معقدة، بحيث تصبح كخط إنتاج assembly line وكل يركب جزءا، ابتداء من البحث، ثم صياغة الخبر، وصقله، ثم نقله للمستهلك (مطبعة، استديو البث بتقنييه الخ). وهنا حذر متحدثو النقابات من استغلال أصحاب العمل للتكنولوجيا الحديثة لاختصار خط الإنتاج بالاستغناء عن بعض الصحافيين واستبدالهم بالتكنولوجيا، وتطرقت المناقشات إلى موضوع تدريب الصحافيين، على تكنولوجيا الإعلام الجديد، حفاظا على وظائفهم وأيضا على جودة السلعة الإعلامية.

تدريب الصحافيين أظهر الانقسام بين مدرستين، الأغلبية مع فكرة التوسع في معاهد وكليات الإعلام والدراسة الأكاديمية لإعداد الصحافي باعتبار الصحافة مادة أكاديمية كالكيمياء والجغرافيا والحساب، والأقلية من الكلاسيكيين يرون في الصحافة حرفة يتعلمها «الصبي» الناشئ من «المعلم» المخضرم بعد اكتشاف الثاني لموهبة الأول والتي تصقل فقط عندما يختلط حبر المطبعة بدمه، تماما كالطريقة التي تعلمت بها الصحافة، كصبي copy-boy بين صالة الأخبار والمطبعة وكنت ما زلت طالبا قبل أربعين عاما.

اقتراحي بإلغاء معاهد وكليات الإعلام وتخصيص وزارات المعارف والإعلام لميزانياتها لوسائل إعلام عريقة وناجحة، كبدل مرتب ووقت المدرب وتكاليف الأجهزة لتشغيل متميزين من خريجي الجامعات كصبيان لتعلم الحرفة على أرض الواقع؛ أغضب الأكاديميين طبعا. وأرجو ألا يكون قد سبب الإحراج «لصاحب الفرح» صديقنا ماضي الخميس، فيقلع عن دعوتي إلى ملتقاه القادم.