الرياض: تحويل بهجة الاستقبال.. إلى مؤسسات نفع عام دائم

TT

في المبتدأ: ما مناسبة الابتهاج؟.. المناسبة هي عودة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى البلاد أمس الجمعة، بعد رحلة استجمام في أغادير المغربية أعقبت رحلة علاجية في الولايات المتحدة.

وبواعث الابتهاج ومصادره عديدة: أولها الاستبشار بنعمة الله تعالى إذ منّ على عبده سلطان بالشفاء. فالشعور بنعمة الله وفضله ـ في أي صورة تَبدّيا ـ يورث الفرحة الغامرة بها: «قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ».. ومما لا ريب فيه: أن شفاء سلطان محض فضل من الله الرحيم الشافي الودود. فالله هو الشافي الحقيقي (والشافي من أسمائه الحسنى جل شأنه). ولذلك قال خليل الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ: «وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ».. ومما ضاعف فرحة الناس: أنهم شعروا أن الله ـ سبحانه ـ قد استجاب دعاءهم بشفاء سلطان بن عبد العزيز.. وثاني باعث أو مصدر للابتهاج هو: أن الشعب السعودي يعرف مكانة الأمير سلطان الرفيعة في الدولة والأسرة الحاكمة: المكانة السياسية والإدارية والاجتماعية.. وثالث باعث على الابتهاج هو اقتران اسم سلطان وشخصه بـ(العطاء الخيري الموصول) للناس.. ولقد شعر بغيابه عن البلاد: الفقراء والأيتام والأرامل والمرضى وكل ذي حاجة، ومن ثم غمرتهم الفرحة بعودته، إذ هي عودة الخير والبر والمعروف والبذل والإنقاذ والعطاء.

ولقد قاد الملك عبد الله بن عبد العزيز موكب المستقبلين المبتهجين بعودة الأمير سلطان.. والمعنى الحي الجميل الدفيء ـ ها هنا ـ هو: أن الأمة كلها استقبلت سلطان، فالملك يمثل الأسرة الحاكمة، ويمثل الشعب السعودي كله: بكل مستوياته وفئاته ومناطقه وحواضره وبواديه ومدنه وقراه.. ثم إن حشدا هائلا من الأسرة المالكة، ومن كبار المسؤولين اصطفوا خلف الملك يستقبلون ـ معه ـ ولي عهد البلاد.. والمشهد الوطني كله يرمز إلى وحدة الأمة كلها في استقبال العائد الكبير، كما يرمز إلى وحدة الأسرة المالكة التي هي ـ في الوقت نفسه ـ رمز لوحدة الأمة.

ومن المضامين العميقة الذكية في هذا الاستقبال الوطني التاريخي: أن مواطني البلاد، ورجالات (الرياض) بعامة، ورجالات أمانة الرياض بخاصة ـ بتوجيه لمّاح من الأمير سلمان بن عبد العزيز ـ قد تفتق ذهن هؤلاء عن (أسلوب جديد ومبتكر) وهو: أن يكون الاستقبال (نافعا) للناس على المدى الطويل نفعا متنوعا ممثلا في (مؤسسات نفع عام) تكتسب صفة الديمومة والعطاء المستمر.. ومن صور هذا النفع العام للناس ـ في حياتهم الفردية والجماعية ـ:

1ـ مستشفى الأمير سلطان لعلاج الحالات الطارئة، وهو مرفق طبي حيوي يحقق مستوى علاجيا متخصصا لجميع أنواع الحالات الطارئة، وينتظم المستشفى 180 سريرا: بعضها للحريق، والبعض الآخر للعناية المركزة.

2ـ خمسة عشر مركز إسعاف (طوارئ).. إلى جانب خمسة عشر مركز رعاية صحية أولية.. وتستوعب المراكز الإسعافية 200 مريض يوميا.. وتتميز هذه المراكز بتقديم خدمة نقل (أرضي وجوي) وعلاج إسعاف ـ في الوقت نفسه ـ من خلال مرافق خصصت لهذا الغرض.

3ـ كلية الأمير سلطان العربية للعلوم الإسعافية، وهو مرفق تعليمي متخصص في مجال التدريب والتأهيل الطبي المتخصص ـ بالتالي ـ في البرامج الإسعافية والسيطرة على الكوارث بجميع حالاتها وتخصصاتها.. وتتوخى هذه الكلية تخريج ما بين 300 ـ 500 مسعف سنويا.. ومن الخليق بالتنبه ـ هنا ـ أن السعودية والعالم العربي يفتقدون هذا النوع من المؤسسات التعليمية المتخصصة في علوم الإسعاف.. ولقد كانت هذه الحاجة ـ السعودية والعربية ـ: السبب الرئيس في التفكير والتخطيط لهذا المشروع الحيوي.

4 ـ تشييد مؤسسة طبية عملاقة باسم (برج الأمير سلطان بن عبد العزيز الوقفي للأبحاث الصحية وطب الطوارئ) في رحاب جامعة الملك سعود.. ومن المقدر أن تبلغ تكلفة هذا البرج 200 مليون ريال أو يزيد.

إنه ـ من ثم ـ (استقبال جاد وكبير) مفعم بما ينفع الناس ويمكث في الأرض.

والمفاهيم الكبيرة المستنبطة من ذلك كله:

أولا: من الأمانة التاريخية والحضارية: تسجيل الحقيقة التالية: حقيقة أن هذا الاستقبال (الإيجابي النافع) ـ الممتد بأثره الصالح إلى ما بعد المناسبات ـ.. هذا النوع الراقي من الاستقبال، نهج انتهجته (الرياض) في استقبال كبار رجالات الدولة والأسرة.. فحين عاد الملك عبد العزيز من زيارته لمصر، أنشئت ـ بالمناسبة ـ مدرسة لتعليم الأجيال.. واستُقْبِل الملك فهد بإنشاء مكتبة الملك فهد.. واستقبل الملك عبد الله بإنشاء حدائق الملك عبد الله.. وحين عاد الأمير سلطان من رحلة علاجية سابقة، أنشئت جامعة الأمير سلطان الأهلية.

وها هي منظومة من مؤسسات النفع العام تنهض في البلاد بمناسبة عودة الأمير سلطان الراهنة.

ثانيا: إن هذه الأعمال الصالحة الناجزة (إحياء لتقاليد مالية علمية تعاونت على بناء الحضارة العربية الإسلامية).. نعم.. إحياء بالعمل والإنجاز المماثل، لا بجرد التفاخر بأمجاد سلفت!

وهذا هو البرهان (العملي) الواقعي.

بمناسبة التبرع السخي لبناء البرج الطبي الوقفي ـ المشار إليه آنفا ـ قال مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبد الله العثمان: «إن الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض يبذل جهدا مضاعفا في إنهاض الوقف الخيري المرصود للتنمية العلمية وبناء المؤسسات الحضارية فهو رئيس اللجنة العليا لأوقاف الجامعة وهي لجنة مكّنت الجامعة من تأسيس أوقاف باستثمارات تجاوزت 15000 مليون ريال».

هذا النمط من الأوقاف الضخمة ـ المرصودة للمعرفة والبنيان الحضاري ـ تحت رعاية الأمير سلمان ـ إنما هو (فصل جديد) وممتع من فصول الحضارة العربية الإسلامية.

كان (الجهد الشعبي) قويا جدا ورائعا جدا في بناء الحضارة العربية الإسلامية، وهو جهد يوازي أو يفوق الجهد الرسمي أو الحكومي في مختلف العصور العربية الإسلامية.. (والوقف الخيري) مشهد ساطع من مشاهد هذا الجهد الشعبي.

وهذا هو البرهان (التاريخي).. ونكتفي بالنماذج التالية فحسب:

1ـ رصَدَ المسلمون الصالحون أموالا وعقارات ووقفوها من أجل:

أ ـ بناء الجامعات والمعاهد والمدارس.

ب ـ كفالة معايش المعلمين والمدرسين ومفتشي التعليم، فقد وقفوا لهؤلاء جميعا رواتب معلومة حتى يتفرغوا لتعليم التلاميذ والطلبة.

ج ـ بناء المستشفيات العلاجية ومعاهد تخريج الأطباء.. ولقد بلغ (هدف) الوقف مبلغا غير مسبوق من حيث (الحس الإنساني) النبيل. فهناك وقف لتفريغ أناس ـ مقابل رواتب ـ للتخفيف من آلام المريض من خلال زيارته، والحديث معه بعبارات مستبشرة تنعشه نفسيا، وتجدد فيه أمل الحياة!

د ـ كفالة الأيتام والعجزة والمنقطعين في السفر.. وتعويض الخدم الذين يكسرون آنيات مستخدميهم.. تعويضهم بالمال أو بمثل الآنية المكسورة حتى لا يعاقبوا أو يُطرَدوا من العمل!

2ـ ورصد المسلمون الصالحون أموالا لتمويل (البحث العلمي).. يقول جون برنال ـ في كتابه: العلم في التاريخ: «وبفضل تلك الرعاية من قِبل الأثرياء تمكن الأطباء والفلكيون من مباشرة تجاربهم وتسجيل مشاهداتهم».

وهكذا كانت عودة سلطان خيرا كلها: خيرا بالفرحة بنعمة الله بشفائه.. وخيرا متمثلا في المهرجان الوطني الأخوي الكبير الذي استقبله ـ بقيادة ملك البلاد ـ.. وخيرا في أن مجيئه كان سببا في هذا النفع العام للناس.. وخيرا لأن هذا النفع الجزيل نشّط الذاكرة لإحياء الروابط المعرفية والحضارية والمالية البديعة: بين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.. والحمد لله من قبل ومن بعد.