غير مفهوم!

TT

تسلم الرئيس الأميركي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام والتي كانت «مفاجأة» للعالم حينما تم الإعلان عن اختياره كفائز بها، وذلك قبل انقضاء عام في منصبه وقبل أن ينجز أي شيء مهم يدعم هذا الاختيار. وتسلم الجائزة يأتي بعد أيام من قرار أوباما برفع عدد الجنود في مهمة أفغانستان، منصاعا بالتالي لرغبات العسكريين والجناح المتشدد في الكونغرس الأميركي الذي يعتقد أن الزيادة العددية في القوى العسكرية الموظفة لهذه المهمة كفيلة بتحقيق وإنجاز النصر المطلوب مهما حاول البعض التلويح بفزاعة الحرب الفيتنامية كنموذج سلبي، وهي الحرب التي تحمل الكثير في الوجدان والذاكرة الأميركية من الطعم المر والحسرة والأسى.

السياسة الخارجية في الإدارة الأميركية اليوم واقعة بين نفوذ أكثر من شخصية محورية في الإدارة نفسها وهو ما يفسر أحيانا التوجهات التي قد تبدو في ظاهرها التناقض، ومثال أفغانستان يوضح ذلك، فبينما يزيد عدد أفراد القوات المسلحة فهو يؤكد أنه منسحب بحلول يوليو 2011 مهما كانت الظروف، وهو بذلك يقود أول حرب بتاريخ صلاحية معروف سلفا. هناك بطبيعة الحال هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية التي كانت «الحل» الوسط للحفاظ على تماسك الحزب الديمقراطي ولا يمكن إنكار أداءها الحذر منعا للوقوع في الخطأ وكأن عينها لا تزال على فرصة انتخابات رئاسية في المستقبل.. كل ذلك جعل أداءها لدورها سياسيا ضعيفا وبلا أثر لليوم. وهناك جيم جونز مستشار الأمن القومي، والمعروف باعتداله، وهو الذي يتبنى الخط القوي والصلب في مواجهة الحكومة الإسرائيلية ومنع توسعها الاستيطاني المجنون ووضع حد لمخالفتها لفكرة السلام وإقامة الدولة الفلسطينية، ويقابل جونز في الاتجاه المقابل دنيس روس صاحب الدور الاستشاري والمعروف بمواقفه المتعاطفة مع الدولة اليهودية وعلاقاته الخاصة بالكثير من أركان الإدارة فيها، وهو بالتالي يمنح إسرائيل ونتنياهو رئيس الوزراء فيها الجرأة والدعم على المماطلة والتشدد في الطلبات المفروضة عليه. وهناك ووسط هذا الزخم والزحام نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الذي تم اختياره أساسا «لخبرته» الطويلة في التعامل مع الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية، إلا أن زلاته وانفعالاته تجعل الرهان عليه كعنصر فعال في إنجاز وتحقيق شيء مهم في السياسة الدولية مطلبا بعيد المنال على أقل تقدير! هناك ملفات عديدة لا تزال مفتوحة أمام السياسة الخارجية الأميركية جميعها بحاجة لجراحة وتدخل عاجل. فهناك ملف الشرق الأوسط المعقد والمضطرب والذي دخل مرحلة الغيبوبة وبحاجة لإنقاذ عاجل، ولا يمكن إنكار الملف الإيراني المهتز، والذي لم يصل للآن لنقطة حسم واتفاق. كذلك هناك غموض كبير في مستقبل الوضع فيما يخص وضع كوريا الشمالية وبرنامجها النووي القائم. كوبا تبقى نقطة مقلقة بحاجة لحزم وبحاجة إلى تطوير أدوات التعاطي معها وسط عالم متغير وظروف متبدلة. وهناك المتغيرات الكبرى في باكستان واليمن وأفغانستان، وكذلك التعاطي مع عملاقين لم يعد من الممكن التغاضي عن حجميهما وهما الهند والصين، اللتان تحول ثقلهما من الساحة الاقتصادية حصريا إلى الساحة السياسية والعسكرية. السياسة الخارجية لأميركا اليوم غير واضحة الملامح ولا تبدو علامات إنجاز في الأفق القريب وهو ما يولد شعورا بعدم الارتياح والغموض المريب لدى الكثيرين.

[email protected]