اللغة الأنسب لرئيس الحرب

TT

تحدثت على مدار الأسبوع الماضي عن أمرين مثيرين للجدل، تناولهما الرئيس أوباما خلال إعلانه عن سياسته ـ يتناول الأول الاستراتيجية السياسية لرئاسته، والثاني بشأن إمكانية التفاوض مع طالبان.

وخلال مأدبة الغداء التي أقيمت في مكتبة البيت الأبيض لكتاب الرأي في الأول من ديسمبر (كانون الأول) قبيل مغادرة الرئيس إلى وست بوينت لإلقاء كلمته. انتهج الرئيس لغة واقعية وتحليلية، تماما كما شهدناه في خطابة في الكلية الحربية. وقد خرجت من كلا الكلمتين معتقدا أن الرئيس أوباما لم يرتق باستراتيجيته البلاغية إلى المستوى اللائق لتحدي توحيد البلاد من أجل الحرب.

لكن ملاحظتين قويتين علقتا بذهني، أشارتا إلى نهج أكثر إبداعية وشمولية في الحكم والدبلوماسية، أشارتا إلى ابتعاد رئيسنا المهني عن التفكير الاستراتيجي عندما يقرأ من الملقن الإلكتروني. ولعل الدليل على ذلك ما كان في مكتبة البيت الأبيض، حيث بدا الرئيس وكأنه يفحص شاشة ملقن إلكتروني خلال إلقائه تلك الجمل والفقرات الرائعة وهو ينظر يمنة ويسرة.

تتضمن الملاحظة الأولى ازدياد تضاؤل شعبيته في الاستفتاءات والتي قال عنها «إنها مؤلمة بشكل واضح» وأنه انتخب كي يدفع البلاد «لإعادة بناء أميركا» وجعلها تسير على نحو أفضل سياسيا واقتصاديا. سيصبح أوباما رئيس الحرب كسلفه لكنه لا يزال يرغب في تحديد سمات الطموح والمثالية والأمل.

وقد أبرز أوباما رؤيته الواسعة في قوله «أحد أهداف رئاستي تولي أمر خطر الإرهاب بجدية لكن مع توسيع فكرتنا بشأن الأمن كي تشمل تطوير علومنا وتكنولوجيتنا والتأكد من أن مدارسنا تعمل بشكل جيد، وأن نكون جادين بشأن الطاقة النظيفة وإصلاح نظام الرعاية الصحية وتحقيق الاستقرار في عجز الميزانية والدين».

ربما تبدو تلك الكلمات شعارات، لكنها في حقيقة الأمر تعبير جيد عن أصول الحكم.

مشكلة أوباما هي أن صنع السياسة ليس كإعداد خطابات، كما أن القيادة لم تعد أمرا ملغزا أو غامضا لكنها الواقعية وسرعة رد الفعل. لذا يجب على الرئيس أن يتعامل مع الأزمات التي تواجهه ـ اقتصاد كان على وشك التهاوي عندما تولى الرئاسة وحرب طاحنة في أفغانستان. لكن اتخاذ قرارات سياسية مسؤولة ليست بالأمر الهين، ففي حال إنقاذ المصارف أو إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان سيترك ذلك الجميع تقريبا غير سعداء.

لكن يبدو أن أوباما يصنع أعداء جددا إذا ما ظن أنه يقوم بالأمر الصائب.

قال أوباما: «إذا كنت سأبني قراراتي على استفتاءات، فقد ينهار نظام البنوك وقد لا نملك شركات مثل جنرال موتورز وكرايسلر، ومن غير الواضح إذا ما كان الاقتصاد يسترد عافيته مرة أخرى في الوقت الحالي».

هناك بعض الرؤساء ممن كانوا بحاجة ملحة إلى الشعبية (كبيل كلينتون) والتي تعد ميزة بالنسبة له. لكن هذا الرجل أقل حاجة إليها وهو ما يعتبر ميزة بالنسبة له ولبلاده.

أما الملاحظة الثانية فتتناول السبيل إلى إنهاء الحرب في أفغانستان. وقد سألت أوباما عما إذا كان يدعم المصالحة مع طالبان، رد بالقول «إننا ندعم جهود الحكومة في إعادة دمج تلك العناصر من طالبان التي نبذت العنف ومستعدة للمشاركة في العملية السياسية».

بعث أوباما بالمزيد من الإشارات تلك الليلة في وست بوينت، حيث تخلى عن تلك اللغة التي تبناها في 27 مارس (آذار) بشأن أفغانستان من الإصرار على ضرورة هزيمة طالبان، ليعد فقط بالعمل على عكس ذلك التقدم الذي حققته طالبان وحرمانها من القدرة على الإطاحة بالحكومة. كما تعهد بدعم جهود الحكومة الأفغانية في فتح الباب أمام عناصر طالبان المستعدين لعقد سلام.

وقد قدمت طالبان رداً مثيراً بعد أيام قلائل على شبكة موقع Alemarah.info على الإنترنت، قالت فيه إن الجماعة «ليست لديها أجندة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومستعدة لمنح ضمانات قانونية إذا ما انسحبت القوات الأجنبية من أفغانستان». إذن، فما الذي يعنيه ذلك الآن؟ هل كان ذلك إشارة إلى إمكانية التصالح مع «القاعدة»؟ أنا لا أعلم، لكني آمل أن يقوم البيت الأبيض بسؤال المملكة العربية السعودية وباكستان بالبحث في هذا الأمر.

يمتلك الرئيس أوباما أسلوبا رصينا ومستقلا يجعل الأفراد ينسون، في بعض الأحيان، أن لديه عامل تغيير وإبداع. وسيكون من الحكمة بالنسبة له أن يخفف من عقلية الملقن الإلكتروني وأن يظهر المزيد من الحماسة الداخلية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»