حكاية عنوانها «فرمان»!

TT

فرمان علي خان، اسم يطفو على أحاديث الناس، ومنتديات الإنترنت، وأعمدة الصحافة هذه الأيام، فهذا الرجل الباكستاني جاءت به لقمة العيش من بلاده إلى مدينة جدة، فقضى سنواته هنا كالطيف الجميل، رأى فيه الناس الطيبة والشهامة، فألفوه وألفهم، ليعيش بينهم بروح انتماء الإنسان للإنسان، فلم يكن الناس غرباء في عينيه، ولعله لم يكن أيضا غريبا في عيونهم.

حينما اجتاحت السيول جدة أخيرا، ووقعت الكارثة، لم يهرب «فرمان»، بل وقف في وجه السيل ينقذ الغرقى، وينجد المحتاجين، ربط جسده ـ كما تقول الرواية ـ بطرف حبل، ووثق الطرف الآخر بأنبوب على جانب الطريق، وراح يستقبل السيل صدرا بصدر، منقذا 14 شخصا قبل أن ينال منه السيل، ويسلم الروح ليموت شهيدا، تاركا خلفه سيرة إنسان تعامل مع قيمة حياة الإنسان، بعيدا عن إشكاليات الأعراق، والأجناس، والأنساب. فمن يمتلك نهاية أروع وأشجع وأنبل من نهاية فرمان؟!

يشير موقع «العربية نت» إلى أن حملة تبنتها مجموعة من السعوديين على «فيس بوك» تدعو لتكريم «فرمان»، وهي حملة لا يختلف أحد على وفاء من قاموا بها، ونبل غاياتهم، وثراء إنسانيتهم، وكل ما تحتاجه الحملة في تقديري التأكيد على الهدف الذي اغترب من أجله «فرمان»، فالرجل ترك بلاده، وجاء إلى هنا ـ في الغالب ـ يحمل على كاهله مسؤولية أسرة خلفه أراد لها أن تعيش على نحو كريم، ومن حقه علينا جزاء ما قدّم تحقيق هذه الغاية بعد رحيله، فأهل الوفاء في مجتمعنا يمتلكون المقدرة، وهو يستحق ذلك وأكثر، ولأصحاب الحملة المباركة هذه فضل الدال على الخير، فلهم صادق التقدير والإعجاب والإكبار.

إن حكاية «فرمان» حكاية يفترض أن تعمق إحساس الإنسان بالإنسان، بعيدا عن الفوارق المصطنعة التي تبعد الإنسان عن أخيه الإنسان. إن «فرمان» اليوم أقرب إلى وجداننا، وعواطفنا، وأحاسيسنا من ثري من بني جلدتنا إن وقف يقضم حكايات الكارثة، وأسبابها، وصنّاعها في مجالس «طق الحنك» من دون أن يتحمل جزءا من مسؤوليته الاجتماعية والأخلاقية تجاه ضحايا الكارثة دعما، وعونا، ومساعدة، متمنيا أن يكون هذا النموذج السلبي منقرضا كالغول والعنقاء والديناصور.

ولـ«فرمان» تهنئة بالشهادة وحسن الخاتمة، ولأهله «.................» تركت عمدا هذه المساحة شاغرة في انتظار خبر محمل بتباشير الوفاء، فهل يطول الانتظار؟

[email protected]