حول العالم في 80 دقيقة

TT

قبل عدة أيام كنت أتفرج على قناة (ديسكفري) التلفزيونية، وإذا البرنامج يتحدث عن (يخت) جميل فخيم للإيجار.

وأخذت (الكمرا) تدور بنا في أرجاء ذلك اليخت (الأبهة)، هنا الصالون، وهنا الغرفة (الملوكية) - مثلما كان يسميها المشرف على الحلقة -، وهنا الحمام المذهب، وهنا (الجكوزي)، وهنا (البار)، وهنا غرفة الألعاب، وهنا غرفة الرياضة، وهنا، وهنا، وهنا، إلى ما في (هنا) من أمور (تمخول) العقل، وتذهب بالرزانة.

فقلت بيني وبين نفسي: يا الله العفو والعافية، وقضاء لو ليلة واحدة فيه ـ وما عندي مانع حتى لو كانت تلك الليلة الأخيرة في حياتي، وتخيلت حالي وأنا في (النزع) الأخير ألفظ أنفاسي بكل راحة وحبور، ممدداً على السرير العريض في الغرفة الملوكية، ومرتدياً (المايوه)، ومستمعاً لأصوات الموسيقى الحالمة، وتزغلل عيوني جذوات الشموع المعطرة، لا يهمني من يكون معي في تلك اللحظات (الرومنتيكية)، لأنني وقتها سوف أكون مشغولا بحالي، وعلى وجهي ابتسامة ملائكية (أرستقراطية) - لكي تمشي مع الجو-.

غير أن الذي فجعني وخلخل عظامي وأعادني إلى جادة صوابي، وجعلني أنسى أمنية الميتة (المثالية) تلك هو: ما ذكره المذيع وهو يشرح مزايا ذلك اليخت، عندما صدمني قائلا: إن إيجاره في اليوم الواحد هو: (مائة ألف يورو) فقط لا غير، وذلك بدون الأكل والمشروبات - لاحظوا بدون الأكل والمشروبات -!!

ولو كان باستطاعتي أن أفعل ذلك لاستأجرته بدون الأكل والشرب، وأحضرت معي ساندوتش (هامبرغر) مع زجاجة من الماء القراح - وكان الله يحب المحسنين ـ.

ولكن ما جعلني أزهد بذلك اليخت، هو ما تناقلته الأخبار أن شركة (جالاتيك سويت لمتد) تسعى لإنشاء فندق فضائي ينتهي تشييده عام (2012)، وسوف يتكلف مليارات الدولارات.

وتكلفة الإقامة للفرد الواحد لمدة ثلاث ليال هي (ثلاثة ملايين يورو)، وسيرى الزبون لدى إقامته هناك شروق الشمس وغروبها 15 مرة يومياً، وسيسافر حول العالم ويلف حول الكرة الأرضية كل 80 دقيقة، وهذا ما ذكرني بالكتاب الشهير (حول العالم في ثمانين يوماً)، وذلك قبل اختراع الطائرة، وتخيل صاحب القصة أن المسافرين سوف يقطعون تلك المسافات الهائلة وهم يركبون منطادا، وضج العالم في حينها من ذلك الخيال، على أساس أنه مستحيل وضرب من الأوهام، وها هي الشركة العتيدة تريد أن تختصر اليوم الواحد البالغ 24 ساعة إلى (دقيقة واحدة)، ومع ذلك لم يصدر هناك استهجان أو تكذيب لذلك، فهل معنى هذا أن الإنسان قد تغير جذرياً لأنه وثق بالعلم؟!، أعتقد أن هذا صحيح، فالعلم أحدث في حياتنا ما يشبه المعجزات، ولأن ما نعيشه ونمارسه اليوم في حياتنا من وسائل ومكاسب، لو أن أحدا قد قالها قبل قرنين من الزمان لاتهموه بالجنون إن لم يرجموه بالحجارة.

ويؤكد الخبر أن أكثر من 200 شخص أبدوا رغبتهم في السفر إلى ذلك الفندق الفضائي، كما قام ما لا يقل عن 43 شخصاً بالحجز فيه، ودفعوا (العربون) - أو مثلما يقول إخواننا أهل لبنان: (الرعبون) -.

[email protected]