في مدرسة الملك عبد العزيز

TT

رصد الباحثون الكثير من أبعاد شخصية الملك عبد العزيز رحمه الله، فتحدثوا عن جوانب الشجاعة، والإدارة، والكرم، وحسن الإدراك، والمنطق، ورجاحة التفكير، وغيرها من الصفات الأساسية التي شكلت عظمة عبقريته، لكن ما نعرفه عن الملك عبد العزيز المربي في تعاملاته مع أبنائه وتربيتهم ظل محصورا إلى حد كبير في ما ذكره بعض أبنائه ومعاصريه من المواقف والمرويات، ومنها على سبيل المثال ما أورده الأمير سلمان بن عبد العزيز في محاضرة له في جامعة أم القرى قبل أكثر من عام بعنوان «ملامح من تاريخ الملك عبد العزيز في مكة المكرمة» قال فيها: «كنا نهاب عددا من الرجال من خاصته الذين كان يكلفهم بإيقاظنا ومتابعتنا يوميا في أداء الصلاة من هيبة الوالد، لعلمنا أنهم يتلقون أوامر صارمة منه لمتابعتنا». ومما رواه الأمير سلمان أيضا ودلل على مكانة وأهمية التعليم في فكر الملك عبد العزيز أنه في إحدى زياراته لمدرسة الأمراء رأى على ثوب أحد أنجاله بقعة حبر حاول إخفاءها عن نظر والده، فقال له الملك: «لا تخفها، هذا عطر المتعلمين وطلبة العلم». ومثل هذه المرويات في حاجة إلى جهد لجمعها، وتبويبها، وتحليلها، لتعميق معرفتنا بملامح التفكير التربوي لدى الملك عبد العزيز، وتكمن أهمية معرفة ذلك إذا ما نظرنا إلى المنجز الذي حققه الملك عبد العزيز في تربية أبنائه، وإكسابهم هذه المنظومة من قواعد السلوك الجوهرية، التي يحترم فيها الصغير الكبير، ويحنو الكبير فيها على الصغير، في سياقات من المحبة المخلصة والواعية.

دارت مثل هذه الأفكار في ذهني مساء الجمعة الماضية، وأنا أشاهد فعالية استقبال سلطان الخير، وكيف وقف قائد البلاد الكبير عبد الله بن عبد العزيز، ومن خلفه إخوانه الأمراء يلهبون الزمن بسياط الشوق كي يأتي لهم بسلطان لتحتضنه عيونهم وقلوبهم، وكان المشهد كبيرا، وعظيما، ومميزا، كان المشهد درسا، بل دروسا في أدب المحبة، وصلة الرحم، ووشائج القربى.

وكان الأمير سلمان خلف شقيقه الأمير سلطان يقدم درسا إضافيا لمعاني الأخوة، وهو الذي شارك ولي عهدنا رحلة الشفاء على مدى عام، كان خلالها يطبق ما تعلمه في مدرسة الملك عبد العزيز من مبادئ الوفاء، وقيم الأخوة، وكانت ابتسامة سلطان الخير في إشراقتها تجاه إخوانه ومستقبليه إشارة بدء الفرح، وجمع الشمل، وعودة عاشق الوطن إلى وطن الوفاء.

ولما كانت معايير التربية تقاس بنتائجها، فأنا أجزم أن الملك عبد العزيز قد منحنا نموذجا رائعا وجميلا، تمثل في رابطة الأخوة المميزة والمثالية التي غرسها في نفوس أبنائه، لتمتد هذه المحبة وتتسع لتشمل الوطن والمواطن، إنها مدرسة الملك عبد العزيز التي نحتاج أن نقدمها للأجيال الجديدة، فالتربية بالقدوة والمثال من أهم مبادئ التربية التي ينادي بها المربون.. وليت القادرين على رصد هذه الملامح التربوية أن يفعلوا.

[email protected]