دقات الطبول المترددة

TT

سنحارب في الجو والبر، وفي الحقول وعلى التلال، على امتداد 18 شهرا. وبعد ذلك، سنشرع في حزم أمتعتنا للعودة إلى الوطن.

لن نستسلم قط، إذا أصبحت تكاليف الحرب باهظة على نحو فادح. في هذه الحالة، سنستشهد بحديث أيزنهاور حول «الحاجة إلى الحفاظ على توازن داخل وبين البرامج الوطنية»، ثم سنصر على أنه «ليس بمقدورنا ببساطة تجاهل تكاليف هذه الحروب».

تنتمي العبارات المقتبسة إلى خطاب الرئيس أوباما في «ويست بوينت» الذي أعلن خلاله تعزيز القوات. كم كان حديثا غريبا، لقد كان بمثابة دعوة للقتال تحمل في ثناياها قدرا بالغا من الحيرة والتردد وتتسم بطابع دفاعي.

وكان من شأن ذلك أن جاء تأكيده على «عزمه الراسخ» خاليا من أي معنى حقيقي. كان من المفترض أن يستحث خطابه الهمم، لكنه، بدلا من ذلك، بدا فاترا. في أغسطس (آب)، وصف أوباما حرب أفغانستان بأنها «حرب ضرورية». حدد «ما يتهدده الخطر» باعتباره «الأمن العالمي المشترك». ورغم هذا الطابع «العالمي»، فإننا سنشرع في الانسحاب في يوليو (تموز) 2011.

هل يظن أوباما أن مثل هذا التخبط لم يصل إلى مسامع «طالبان»، والمزارعين الأفغان الذين لم يحسموا أمرهم بعد حيال أي صف يتخذونه، والجنرالات الباكستانيين الذين يفكرون بشأن إلى أي الأطراف ينضمون، وحلفائنا في «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) الذين يراودهم التردد بالفعل حيال المشاركة بصورة نشطة في أفغانستان؟

وبالرغم من ذلك، ساد شعور بالرضا أوساط معظم مؤيدي حرب أفغانستان، فبينما نالوا هم السياسة التي يرغبونها، لم ينل الليبراليون سوى الخطاب. لقد فاز الصقور بثلاثة أرباع ما طلبه جنرال ستانلي ماكريستال ـ 30.000 جندي أميركي إضافي ـ في الوقت الذي حصل الحمائم بعض الكلمات الرامية للتهدئة.

إلا أن الكلمات لا تخول من أهمية لأنها تعكس الإرادة التي تتسم بدورها بأهمية كبيرة. بوجه عام، يعتمد النجاح في الحرب على ثلاثة أمور: جنود على درجة كبيرة من الشجاعة والمهارة، مثلما الحال مع المؤسسة العسكرية الأميركية عام 2009، التي تعد أفضل قوة لمكافحة التمرد عرفها التاريخ، وقادة أذكياء متمرسون أمثال الجنرالين ديفيد بيترايوس ومكريستال، اللذين خرجا لتوهما من تجربة تعزيز القوات الناجحة في العراق، والإرادة المصممة على النصر والمتجسدة في القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وهنا تكمن المشكلة الحقيقية. وهذا هو السبب وراء أنه في مثل هذه اللحظات بالغة الحساسية، لا يقدم الرؤساء على إصدار أوراق سياسات، وإنما يلجأون إلى إلقاء خطاب، كي يضمنوا بذلك تقديم النبرة والطابع العام الملائم. ويسمح لهم ذلك بضخ قدر من العزيمة والمشاعر الحية في سياساتهم. إلا أن هذا الخطاب الأخير عكس عوائق وتحذيرات، علاوة على حديثه عن الانسحاب.

لم يتوقع أحد أن يتقمص أوباما شخصية أي من هنري الخامس أو تشرشل، لكنه في الواقع فشل حتى عن مضاهاة جورج دبليو. بوش الذي، في خضم انحسار نفوذه وشعبيته، وفي وجه معارضة الدوائر السياسية والأخرى المعنية بالسياسة الخارجية له وانهماكه في إدارة جهود حربية كانت في أوضاع أكثر ترديا بكثير، أعلن قراره بتعزيز القوات الأميركية في العراق عام 2007، مع إعلانه الرفض الحاسم لفكرتي الانسحاب أو التراجع. ولاقى موقفه الصارم انتقادات واسعة على الصعيد الداخلي باعتباره عنادا وتشبثا بالرأي، لكنه عندما وصل إلى العراق لمسامع من يقاتلون معنا وضدنا، بدا انعكاسا لإرادة وتصميم راسخين.

في المقابل، لم يبد خطاب أوباما حول تعزيز القوات لائقا بقائد أعلى للقوات المسلحة، وإنما بسياسي، حيث عمد إلى توصيل رسالتين مختلفتين إلى جمهورين متباينين، ففي الوقت الذي حرص على تهدئة اليمين عبر إعلان إرسال قوات إضافية، عمد إلى تهدئة اليسار بالتأكيد أننا في طريقنا للانسحاب.

وبعيدا عن التزام أوباما الشخصي، نجد التساؤلات تفرض نفسها حول مسألة قدرته على العمل كقائد وقت الحرب. إذا كان شعر بالحاجة إلى تهدئة اليسار بالإعلان عن موعد محدد للانسحاب ـ في وقت لا يزال يحظى بشعبية شخصية، ويتمتع بأغلبية واسعة داخل مجلسي الشيوخ والنواب، وحتى قبل أن يبدأ تصعيد الحرب بالفعل ـ فكيف سيقف في وجه اليسار إذن عندما تسوء الأوضاع وتتفاقم أعداد الضحايا، ويصبح لزاما عليه الاختيار بالفعل بين الفوز بدعم حزبه أو إحراز النصر في ميدان القتال؟

رغم شكوكي الشخصية حيال إمكانية إحراز نجاح دائم ضد التمرد الذي تتزعمه «طالبان» في كل من أفغانستان والمناطق الحدودية الباكستانية، لدي ثقة عميقة في أن بيترايوس وماكريستال لن يوصيا باستراتيجية ستكون مكلفة في الأرواح من دون إيمان قوي من ناحيتهما بإمكانية نجاحها.

وعليه، سألتزم بحكمهما وأساند السياسة التي أوصيا بها. لكن مصير هذه الحرب لا يعتمد عليهما فحسب، وإنما كذلك على الرئيس، فلا يمكننا النجاح من دون قائد أعلى للقوات مصمم على النجاح.

وقد دافع هذا القائد عن تحديده موعد للانسحاب على النحو التالي: «لأن الأمة التي أولي بناءها الاهتمام الأكبر هي بلادي».

وهو قول مثير حقا، فها هو الرئيس يخبر جنوده ـ الذين قد لا يعود بعضهم حيا قط إلى وطنه ـ بأن عليهم خوض الحرب، لكنه قد يضطر إلى تقصير أجل مهمتهم لأن أولوياته الحقيقية تحمل طابعا محليا.

هل سمع أحدكم من قبل دعوة للقتال أكثر تثبيطا للهمم من تلك؟ وهل سمعتم بطبول حرب أكثر ترددا من ذلك؟

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»