عالم بيئة!

TT

«دخلك يا خيو أديش كبرو بخش الاوزوان هاد؟» سألني صديق حلبي بلهجة لا يمكن أن يخطئها أحد، وبالرغم من بساطة السؤال فإنه سؤال جاد ويستحق التأمل وخصوصا وسط الاهتمام العالمي الكبير بقضية البيئة وآثارها، بأشكالها المختلفة حول العالم والمنصبة جميعها في لقاء كوبنهاغن الكبير، الذي يأمل منه ناشطو الحقوق في ميثاق شرف نافذ يضمن وضع حد للتجاوزات في وضع البيئة، وخصوصا من قبل العالم الصناعي، وتحديدا من الولايات المتحدة الأميركية والصين اللتين تسمحان بتسميم مناخ العالم بما تبعثان به من عوادم وأضرار. ويأتي لقاء كوبنهاغن كأمل متجدد في أن يكون هناك رادع جديد للمخالفين بعد أن فشلت اتفاقية كيوتو في تحقيق المراد ووضع نظام عالمي حقيقي لقضايا البيئة وتجاوزاتها.

وهناك محاولات مفضوحة من دول العالم الصناعي لتحضير الرأي العام أن الجاني الحقيقي هو الدول المنتجة للنفط وأن الضوء يجب أن يسلط عليها وأنها هي المعيق الأكبر في التوسع المطلوب لإنتاج واستخدام الطاقات البديلة بشكل سوي وقوي، وهذه طبعا أقوال مردود عليها قام بتفنيدها بشكل مهم وعقلاني ممثل المملكة العربية السعودية في لقاء كوبنهاغن، الدكتور محمد سالم الصبان، مستشار وزير البترول، الذي حوصر بمجموعة من الاتهامات المعدة سلفا بشكل غريب، وقام بتوضيح حقيقة الموقف بالنسبة لبلاده وإلقاء اللوم على الدول الصناعية بالأدلة والأرقام.

ولكن الملف البيئي عربيا مسألة تدعو للخجل بلا جدال. فكارثة السيول بجدة فتحت من جديد الملف المفزع المتعلق بالصرف الصحي والذي تضررت بسببه الحياة البحرية على شواطئ المدينة وتفاقمت بها الأمراض، وكان الحل الخطأ في إنشاء بحيرة جمعت بها بقايا الصرف الصحي هي بمثابة قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار، والناس بانتظار ما ستسفر عنه لجان التحقيق. وفي القاهرة هناك سحابة سوداء على رؤوس السكان تزداد انتشارا واتساعا نتاج حرق النفايات والعوادم دون حلول رادعة أو تصرفات فعالة لتبديل هذه الكارثة التي باتت كارثية وبأضرار صحية مهولة. وفي لبنان يستمر مسلسل قطع الأشجار وتدمير الغابات لصالح الكسارات وأعمال الخرسانة بشكل جنوني من شأنه أن يشوه وجه البلد ويفقده أحد عناصر الجمال الذي تميز به عبر السنين. وفي السودان وفي سورية كثر الحديث عن نسب التلوث ودفن النفايات المحظورة عبر اتفاقيات مشبوهة وغريبة، ناهيك أيضا عن الدمار الذي أصاب الشواطئ وأتلف الشعب المرجانية وأرطال الزيوت التي أفرغت بالعمد أو عن طريق الحوادث وتبعات ذلك كله على الميزان البيئي الدقيق جدا. لا يزال ينظر للبيئة على أنها مسألة مليئة بالترف وأنها شأن المثقفين ولم يتم التعاطي معها بشكل تشريعي رادع ولا تم التطرق لها بشكل حيوي من رجال الفتوى بنفس الحماس الذي يتم به التطرق لمسائل الاختلاط والجهاد، مع أن الضرر البيئي هو بمثابة إعلان حرب وإفساد في الأرض وترويع للناس وأذى في الطرقات والبر والبحر، ومع ذلك لم تلق الاهتمام الجاد والكافي. الخوف أن يأتي الاهتمام بالبيئة من الباب الشكلي المليء بالمجاملة ودفع الإحراج لا أكثر دون أن تكون هناك قناعة كافية بشكل مبادئي بالمسألة فتلقى الدعم المعنوي والمادي المطلوب حقيقة. التحدي الكبير والخوف أنه بتأجيل التعاطي مع التجاوزات البيئية ستحل علينا فاتورة باهظة التكلفة وصعبة السداد ووقتها لن يكون الندم نافعا!

[email protected]