بين دبي وبرلسكوني

TT

من طبائع الإعلاميين أن ينغمسوا في تناول الجوانب السلبية لكل حدث، وهذا أمر يفترض أن يكون من ألف باء السياسة دون الحاجة إلى التفتيش في أسباب مخفية. الإعلام يحب الإثارة، وينحو للنميمة، ويلهث وراء الكوارث. وهذا ما جمع في أسبوع واحد بين ثلاث قصص لا يربط بينها سوى أنها كانت موضوعات شهية عند الصحافة. أحدثها الأول من أمس عندما اعتدى معتوه على رئيس وزراء إيطاليا، والثاني عندما تعرض بطل الغولف تايغر وود للضرب المبرح من زوجته غضبا عليه وغيرة بعد أن اكتشفت سر علاقته مع امرأة أخرى، وقبل ذلك كله عندما اهتزت الأسواق جراء تصريحات من دبي من أن الديون المستحقة لن تدفع في موعدها.

الصحف أسهبت في الحديث لأنها جميعا «أحداث عالمية»، وليس لأن هناك كرها في تايغر، أو حقدا على برلسكوني، أو تشفيا من دبي بل بكل بساطة لأن أهل الإعلام يرون هذه القضايا مثيرة ومحل اهتمام قرائهم. وهذا ما جعل كل من صار هدفا للتشريح الإعلامي يظن أن هناك استهدافا له، وحتى لو وجد هناك بالفعل من له هدف فإن الغالبية الإعلامية تبحث دائما عن فريسة، وسيئ الطالع ذلك الذي يقع بين براثنها.

لهذا فإن البعض الذي استنكر تعاطي الإعلام الغربي السلبي لمسألة دبي، وحملوها ما لا تحتمل من أن هناك مؤامرة تريد إسقاط المدينة اللامعة هم في الواقع انتقائيون. هؤلاء أنفسهم كانوا يستشهدون بالإعلام الغربي للتدليل على نجاح دبي وتميزها عالميا في السابق، فما الذي جعلها شهادة عادلة في الماضي وشهادة زور اليوم؟

وتأكيدا على أن من طبع مهنة الإعلام الحديث الاهتمام بما يثير القراء ويحرك السوق، فإن ما كتب عن ضرب اللاعب تايغر من قبل زوجته يفوق مرات ما كتب عن دبي فقط بسبب الإثارة والاهتمام الشعبي. بالنسبة للمتعاملين في السوق والمتوجسين من تبعات الأزمة المالية العالمية، فإن دبي نجمة مثيرة تجتذب الضوء مهما كان الموضوع. دبي علامة تجارية معروفة تغري بالمتابعة إن بنت ناطحة سحاب، أو سجنت عابثين على الشاطئ، أو امتنعت عن دفع ديونها. هذا هو قدر النجوم أن تلاحقهم الصحافة، إن كانوا لاعبي كرة أو فنانين أو سياسيين أو مدنا أو شركات، وليس بالضرورة مكيدة من صحافيين متواطئين مع أطراف معادية.

المسكونون بوجود دوافع وراء النقد الإعلامي لا يريدون الاعتراف بالمشكلة الأصلية التي جعلت الإعلام طرفا، ولدبي مشكلة لا يمكن للإعلاميين أن يتجاهلوها، بإمكان دبي وحدها التعامل معها وفقا للحقائق أكثر من أهل الصحافة. ودبي ليست الوحيدة في العالم التي تعاني من الأزمة المالية، ولم تكن الوحيدة التي قام الإعلاميون بإشباعها نقدا، ولن تكون الأخيرة. وستثبت الأيام أن دبي نموذج اقتصادي متميز يمر في وسط عاصفة دولية، ونراهن على أنها ستتجاوزه لأنها نموذج بالفعل ناجح.

[email protected]