علاجنا بالموسيقى والغناء!

TT

والله زمان يا فلسفة. لقد جاءنا فيلسوف يوناني يلقي علينا محاضرة في قسم الفلسفة بآداب القاهرة. فمنذ 25 قرنا لم نسمع عن فيلسوف يوناني واحد.. وجاء هذا الرجل متسوبولوس وألقى محاضرتين.. إحداهما صعبة جدا. وليس في الإمكان عرضها في هذا المكان ولا في أي مكان آخر.. اللهم إلا إذا كانت مجلة فلسفة.

أما المحاضرة الثانية فهي عن «سيكولوجية الموسيقى» عند الفيلسوف الأعظم أفلاطون. ولأن هذا الضيف موسيقار، فقد مارس الموسيقى عن فهم وعن تجربة. قال كثيرا، ولكن أهم ما قال، إن الحضارة الفرعونية عاشت ألوف السنين. لماذا؟ لأن المصريين كان عندهم نوع من الانسجام بين قدراتهم النفسية والعقلية، ولأن عندهم توازن وفهم واعتدال.. وهذا واضح في صور أجسامهم وطعامهم واهتمامهم بالصحة التي هي الانسجام بين وظائف الأعضاء.

وقال إن الهنود أيضا على اختلاف مذاهبهم الدينية والسياسية يميلون إلى البساطة، وموسيقاهم أكبر دليل على مشاعرهم الشخصية والوطنية والتاريخية.

وقال إن الفيلسوف العظيم أفلاطون كان اهتمامه بالموسيقى يفوق اهتمامه بأي فن آخر. فهو طرد الشعراء من مدينته الفاضلة، ورأى أنهم كاذبون، وأنهم يفسدون أخلاق الناس، ويربطونهم في خيوط من الأوهام وتصوير الآلهة على أنها بشر مثلهم. ثم إنهم لا يقدمون حلولا لويلات الناس. ولاحظ أفلاطون أنه حيث تنحط الموسيقى وكلمات الأغنيات ينحط الشعب والمزاج العام. وقد مرت بلاد اليونان بمثل هذه المرحلة ويجب ألا تتكرر، وأن يجاهد الفلاسفة والساسة أيضا على ألا يقع الشعب في براثن الفن الغنائي الهابط.. وأن الموسيقى تفعل بالضبط ما يفعله المشط في شعر منكوش. إنها تسوي الشعر والشعور، وبذلك يسهل توجيهه وتشكيله. ثم تحدث الفيلسوف اليوناني عن «الصوت» في الموسيقى.. وانطلاقه من القيثارة ـ وهي كلمة يونانية ـ إلى الهواء ومن الهواء إلى الأذن وإلى القلب. وما الذي يحدثه الإيقاع السريع والإيقاع البطيء.. والإيقاع المتخاذل..

إن محاضرة الفيلسوف متسوبولوس كانت إنعاشا للفكر الفلسفي وفاتحة للشهية. دعوة إلى الاستماع إلى صوت جميل بليغ ومنذ 25 قرنا!