خير الطعام وخير المطاعم

TT

بعد طوافي في معظم البلدان الأوروبية وكل دول الشرق الأوسط توصلت إلى هذا الرأي، وهو أن خير المطاعم هي أرصفة الشوارع، وخير الطعام هو الأكلات الشعبية العمالية. أكلت القواقع في مطعم مكسيم الشهير بباريس، وتعشيت بالشوتبريان في مطعم الآيفز بلندن، وأكلت في سان جورج ببيروت وشبرد في القاهرة، ولكنني لم أستمتع بأي منها حق الاستمتاع كما كنت أفعل عندما آكل الفشافيش (قطع الكبد المشوية على المنقلة) وأمامي كومة سخية من الكرفس والبصل على عربانة أبو مصطفى أمام سينما الملك غازي في بغداد. كذا فعلت في الجزائر. قدموا لنا في المؤتمر (نسيت اسمه وموضوعه) شتى أطايب الطعام العالمية. ولكنني خرجت إلى الميناء أستروح بنسيم البحر وأشعة الشمس. وهناك شممت رائحة مغرية. تتبعت آثارها فقادتني إلى حانوت بسيط خشبي وجدت البحارة وعمال الميناء فيه يأكلون غداءهم من السمك المشوي الذي استخرج توا من البحر. لم أذق في حياتي سمكا أطيب منه، ولا حتى سمك المسقوف العراقي. نسيت كل شيء عن المؤتمر العربي، ولكنني لن أنسى ذلك الحانوت المتواضع وما أكلته فيه من سمك بالخبز.

حالما وصلت إلى بريطانيا للدراسة، نزلت في حارة كمبرويل العمالية. وبراتب تلميذ، حرصت على الاقتصاد. وجدت أن عمال المنطقة يقتصدون بالأكل في مطاعم الفش آند شبس (السمك والبطاطا)، وهي الأكلة العمالية الشعبية في بريطانيا. يرش الطاهي الخل والملح على السمكة ويضعها في جريدة لتأكلها وأنت تمشي في الشارع. واظبت على أكلها بعد أن وجدت أنها أطيب ما في لندن من أكل. وبقيت إلى اليوم أعتبرها أكلتي المفضلة. وحتى عندما أدعى إلى أرقى المطاعم، أفتش في القائمة عن أكلة الفش آند شبس.

لا شيء في الدنيا أجمل من جلسة على مصطبة مطلة على نهر التايمس مع وجه صبوح وتفرش الجريدة بينكما وتتقاسمان الفش آند شبس منها.

كل هذا الكلام الذي نقرأه في الجرائد عن مطعم مكسيم وآيفز والهلتن وما لف لفها كلام فارغ. لا شيء.