إسرائيل والصهيونية بين السنّة والشيعة

TT

هل يمكن أن يتصور قادة إسرائيل الجدد أنه من الممكن لهم فعلا أن يقيموا حلفا إقليميا يضم إسرائيل والدول العربية السنّية ضد إيران، وأن هذه الدول يمكن أن تنضم إلى مثل هذا الحلف مع بقاء سياسات إسرائيل التوسعية والعنصرية على ما هي عليه؟.. هذا تحديدا ما يدعو إليه الآن نائب وزير خارجية إسرائيل في خطابه المفتوح الموجه إلى العالم العربي.

يرى السيد داني أيالون نائب الوزير الإسرائيلي أن ثمة ما يجمع إسرائيل والدول العربية المجاورة، وهي دول سنّية ضد إيران الشيعية التي تسعى ـ في رأيه ـ إلى السيطرة على المنطقة بأسرها وشغل أهلها بصراعات تُنظَّم وتُدار من طهران مثل ما يحدث في المغرب والعراق واليمن، أما إسرائيل ـ في رأيه ـ فهي تسعى للسلام والتعايش السلمي والتفاوض مع الفلسطينيين والتواصل مع العالم العربي، وهو يدعو إلى ظهور قادة عرب شجعان يفعلون مثلما فعل الرئيس السادات الذي زار القدس عام 1977 وبدأ مسيرة السلام مع إسرائيل.

ومن أجل مزيد من الترويج لهذا الفكر «الثوري» يذكر نائب الوزير الإسرائيلي أن مبادرة السلام العربية تمثل وثيقة هامة، وهي موضع ترحيب من جانب إسرائيل، وإن كان قد تمنى لو أنها لم تتضمن شروطا للدخول في عملية سلام مع إسرائيل، وهو بطبيعة الحال يقصد هنا الشروط التي تتحدث عن الانسحاب الكامل من الأراضي العربية حتى يكون هناك تطبيع كامل في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

لم يأبه نائب الوزير الإسرائيلي وهو يدعو الدول العربية السنّية إلى التحالف مع إسرائيل بأن يقول كلمة واحدة من شأنها أن تطمئن هذه الدول على أيٍّ من قضاياها الحيوية.. لم يقل شيئا يُفهَم منه استعداد إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، أو التخلي عن سياسة الاستيطان، أو التخلي عن مطالبة العرب بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، أو بأن إسرائيل تقبل عودة اللاجئين الفلسطينيين، أو بأن إسرائيل تقبل الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، هو يقول فقط للدول العربية السنّية: تعالوا وضعوا أيديكم في أيدينا وتحالفوا معنا ضد هذا النظام الإيراني الشيعي البغيض، ولا تطلبوا مقابلا للدخول معنا في هذا الحلف، يكفي أننا وإياكم سنحمي المنطقة من تطرف الشيعة الإيرانيين.

هكذا يفكر قادة إسرائيل الحاليون الذين يمثلون أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا وانغماسا في الفكر الصهيوني الذي ينظر إلى الضفة الغربية على أنها جزء من أرض إسرائيل، أما القدس فهي العاصمة الأبدية والتي يجري العمل على قدم وساق لتهويدها، أما الفلسطينيون المقيمون داخل الخط الأخضر فعليهم بدورهم أن يقبلوا العيش كمواطنين من الدرجة الثانية، وتبقى إسرائيل التوسعية العنصرية مالكة لترسانة الأسلحة النووية تهدد بها شعوب المنطقة، هكذا تأتي دعوة داني أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان صاحب التصريحات المتهورة التي هدد فيها بضرب السد العالي الكائن في أكبر الدول العربية السنّية التي يدعوها اليوم للتحالف معه ضد دولة إسلامية هي إيران.

تأتي دعوة أيالون في وقت يحتدم فيه صراع بين الدول الإقليمية على بلاد المشرق العربي، إن لم يكن على الوطن العربي ككل، وأطراف هذا الصراع هي دول ثلاث.. إيران وإسرائيل وتركيا. تسعى كل من هذه الدول الثلاث مع اختلاف الوسائل والغايات إلى أن يكون لها النفوذ الأكبر في المنطقة العربية ذات الموارد البترولية الهائلة والكثافة السكانية الكبيرة والموقع الهام في الاستراتيجية العالمية.. هذه الدول الثلاث على طموحاتها المتباينة يغريها ما تراه من أحوال العرب وتآكل فكرة العروبة التي كانت ذات يوم من الأيام تملأ فضاء هذه المنطقة وتستولي على قلوب أهلها وعقولهم.

وهكذا تقود نظرية ملء الفراغ التي سادت في حقبة الخمسينات عندما أراد الغرب ملء الفراغ في المنطقة من خلال إقامة حلف بغداد وما تلاه من محاولات مثل إقامة الحلف المركزي.. آنذاك لم يكن هناك من يجرؤ على تصور إمكان دخول إسرائيل في أية ترتيبات إقليمية في المنطقة.. كان كل ما يأمل فيه الغرب هو إقامة ترتيبات تضمن وجود إسرائيل ما قبل حرب 1967.. أما إيران وتركيا اللاعبان الكبيران اليوم فلم يكونا سوى دولتين شرق أوسطيتين على تخوم المنطقة العربية، وبالمناسبة وفي هذه الأثناء كانت إسرائيل حليفا لإيران الشيعية تحت حكم الشاه شاهنشاه.

ماذا كان رد العرب آنذاك على الدعوة الغربية للانضمام إلى حلف بغداد؟ كان الرد هو أن الاتحاد السوفياتي ليس هو العدو الذي شرد شعب فلسطين ويشن الهجوم تلو الآخر ضد الدول العربية، أما الخطر على المنطقة آنذاك، وكما هو حتى اليوم، فيبقى متمثلا في سياسات إسرائيل التوسعية والاستيطانية والعنصرية. كان ذلك هو موقف العرب آنذاك فسقط حلف بغداد وانهار الحلف المركزي.. وانهزم الاستعمار في السويس والجزائر وغيرهما من مواقع العرب الكبرى في خمسينات القرن الماضي، إلا أنه منذ ذلك الحين حتى اليوم جرت مياه كثيرة تحت الكباري.. تغير النظام في إيران الشيعية.. وأصبحت إيران تناصر قضايا العرب.. رغم اختلافنا الأساسي معها في أمور جوهرية كبيرة، ويبقى التناقض الرئيسي لا بين المسلمين السنّة والمسلمين الشيعة، ولكن بين المسلمين جميعا سنّة وشيعة وبين إسرائيل إلى أن تتخلى عن سياساتها العنصرية والتوسعية. أما تركيا فلقد جرى تحول كبير في سياساتها وأصبح دورها الآن دورا مساندا للكفاح من أجل تحقيق السلام في المنطقة.

والواقع أن التعاون العربي التركي الإيراني هو الذي يمكن أن يقدم فرصة حقيقية لإقامة ترتيبات إقليمية تقوم على احترام سيادة الدول على أراضيها، وحل الخلافات بين الدول بالطرق السلمية وإرساء مبادئ التعايش السلمي.

أما إسرائيل فإن طموحها للاندماج وإقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية حسب ما نصت عليه المبادرة العربية، فليس أمامها لتحقيق هذا الطموح سوى طريق واحد، وهو أن تقبل العيش كغيرها من الدول.. وتتخلى عن سياسات الهيمنة وتقبل بوجود دولة فلسطينية على كافة الأراضي التي احتلت عام 1967، وتكف عن المطالبة بالاعتراف بها كدولة يهودية، وتنضم إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل..

ذلك هو طريق إسرائيل للاندماج في منطقة الشرق الأوسط، وإلى أن تعلن استعدادها لذلك فإن على العرب وتركيا وإيران أن يدخلوا في مباحثات جادة لإقامة نظام شرق أوسطي قابل للحياة.

*رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وسفير مصر الأسبق في واشنطن.