ماذا حل بهم؟

TT

في آخر تسجيلاته، التي لم تعد تجد من يصغي إليها، ردد أيمن الظواهري، سند أسامة بن لادن وقائد القاعدة الفعلي، أقواله التي اعتاد إعلانها خلال الأشهر الماضية داعيا المسلمين أن يؤيدوه و يقفوا ضد خصومه، مثل حكومة باكستان ومصر والسعودية والسلطة الفلسطينية وغيرها، يغريهم بأن يقاتلوها ويمنّيهم بدخول الجنة. لكن لخيبة أمله فإن أحدا لم يعد يبالي بأشرطته، دع عنك أن يستمع لدعوته ويبادر بالجهاد. ماذا حل بالظواهري وبن لادن ومن تبقى ممن لم يقبض عليه أو يقتل؟ ماذا حل بشعبيتهم؟ ماذا حل بمناصريهم وإعلامهم؟

الحقيقة أن الأسئلة تحثنا على التفكير أكثر من الإجابات بسبب غموض وضع تنظيم القاعدة، وغموض وضع قادته في السنوات الأخيرة، حيث ليس لنا سوى التساؤل.

هل لنا أن نقول القاعدة تعاني من موت سياسي وميداني وحتى قيادي بسبب انحدار أوضاعها ولم يعد يبدو عليها الكثير من علامات التنفس؟ لا نستطيع أن نزعم ذلك، فالتنظيم موجود ويقاتل في أماكن متفرقة من العالم، وله أتباعه من إندونيسيا شرقا وحتى أوروبا غربا، إلا أنه فقد الكثير، وأهم مفقوداته انقلاب الشارع الإسلامي ضده، وتحديدا الفريق الذي كان يهتف له علانية، أعني به الفريق المتطرف. المتطرفون الإسلاميون في كثير من الدول العربية صاروا يسألون مستنكرين علانية في أي معسكر يقف قادة القاعدة، بعد أن صار واضحا أنهم يتجاهلون الحديث عن إيران، ويتحاشون انتقادها في وقت تدور معركة فكرية وسياسية بين الجانبين المتطرفين. علاقة طهران بالقاعدة، التي تزكم رائحتها الأنوف، سببت لها خسائر ليست بالهينة بين أتباعها المتعصبين، يضاف إلى ذلك أن القاعدة كانت فشلت في الحفاظ على المتحمسين المتحالفين معها وإن كانوا لا يتفقون مع وسائلها. الهزائم المتلاحقة التي ألقت بالكثير من أتباعها في السجون أو القبور، وتزايد المتحالفين ضدها من العرب والمسلمين، هو السبب في أن شريط الظواهري الأخير لم يجد من يهتم حتى بالإشارة إليه، بعد إن كان في الماضي ينافس في توزيعه وانتشاره أكثر الأغاني شعبية. وكل الإصدارات لقادة القاعدة، من فيديو وإذاعية، لم تعد تحمل قيمة خبرية أو معلوماتية، بل مجرد تحليلات سياسية مملة.

وهذا الفشل لا يشمل الجماعات التي تدعي انتماءها إلى القاعدة في اليمن والصومال وشمال إفريقيا النشطة دعائيا في مناطقها، فهي تنتج الكثير من المواد الدعائية الذكية، وتملك شيئا من التأييد لا يمكن إنكاره، لكن هذا لا علاقة له بقيادة القاعدة التي رغم حرصها على ادعاء أبوّة الجماعات في الصومال واليمن والجزائر وغيرها، لم تستطع أن تثبت بأن لها سلطة أو يد في نشاطاتها، بل توافق فكري وسياسي وحسب.

ورغم أن الأسئلة تبقى بلا إجابات في الكثير من زوايا حياة المركز الرئيسي للقاعدة، في باكستان أو أفغانستان، فإن قياس رأي الذين كانوا يصنفون سابقا بأنهم ميالون إلى تفكير التنظيم يبين كم خسر بن لادن والظواهري وبقية القيادات، بسبب عجزهم الميداني وانحنائهم السياسي لطهران. خسارة لا نجزم بأنها نهاية القاعدة إنما علامة صحة في المجتمع العربي رغم كثرة إحباطاته.

[email protected]