قرار أوباما الأحادي

TT

خلال أقل من ثلاث سنوات، خالف رئيسان الاعتقاد السائد والرأي العام، وقررا أنهما لا يرغبان خسارة حرب، مما دفعهما إلى اتخاذ قرارات أحادية.

هناك عقيدة جديدة يبدو أنها تحظى بقبول بين مفكري السياسة الخارجية تتبنى خوض الحرب حتى يستعر أوارها ثم الرحيل، ويبدو أن جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، هو من يقود هذه الطريقة، على الرغم من دعمه حرب العراق عندما كان عضوا في لجنة العلاقات الخارجية، حيث أمضى عددا قليلا من السنوات بعد عام 2003 يطلب من الرئيس بوش إرسال المزيد من القوات. بيد أن بوش عندما تخلص من الاستراتيجيات الكارثية لدونالد رامسفيلد أعلن بايدن أن الموقف ميؤوس منه، وطالب بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام، ثم مضى بعد ذلك يعارض زيادة عدد القوات التي حارب من أجلها بشجاعة فترة طويلة. وبطبيعة الحال عندما يعارض بايدن زيادة عدد القوات فكل مؤسسة السياسة الخارجية ستقف إلى صفه، ممثلة في لجنة بيكر ـ هاميلتون.

ويبدو لي أن أوباما يستحق المزيد من الثقة على الشجاعة التي أبداها أكثر من بوش لأنه جازف بالكثير والكثير. ففي الوقت الذي قرر فيه بوش دعم زيادة عدد القوات في العراق في بداية عام 2007، كانت فترة ولايته قد انتهت، ولم يحظ القرار بالمصداقية، فقد رفض في السابق إرسال الأعداد المطلوبة من القوات في أعوام 2003 و2004 و2005 أو 2006، وكان على أوباما أن يتخذ هذا القرار في الوقت الذي كانت فيه فترة رئاسته لا تزال في مهدها. لم يكن لدى بوش ما يخسره، أما أوباما فكان من الممكن أن يخسر كل شيء.

إذن ما الذي يفسر قرار الرئيسين اللذين لا يختلفان كثيرا في اتخاذهما قرارا أحاديا؟ أعتقد أن ذلك راجع إلى أنهما، وهما فقط، يجب عليهما تحمل مسؤولية الخسارة. فالكونغرس ذكي في عدم تولي المسؤولية، وقد صوت أعضاؤه على الدوام لصالح الحرب قبل أن ينقلبوا ضدها ـ في فيتنام والعراق وأفغانستان. مؤسسة السياسة الخارجية وجمهور المفكرين تبنوا النهج نفسه، فدعموا التدخل الأميركي في أفغانستان بشكل كامل، ثم دعموا الحرب على العراق بصورة كبيرة، ثم دعموا الحرب في أفغانستان بصورة كاملة، حتى استعرت الحرب أو باتت محرجة ويصعب الدفاع عنها، ثم حاولوا بعد ذلك التنصل مما قاموا به في بداية الأمر وعرضوا تصورات تؤكد كيفية الخسارة التي يمكن أن تقع. وبطريقة أو بأخرى لم يذكروا أبدا المروحيات تقلع من أسطح السفارات الأميركية المعزولة بعد هزيمة الأفغان أو العراقيين أو الفيتناميين الذين اقترفوا خطأ تصديق كلمة الولايات المتحدة أو انهيار سمعة الولايات المتحدة كقوة عالمية جادة.

ومنذ أن اضطر القادة العسكريون للرئيسين إلى تحمل مسؤولية الخسارة، كانوا أقل رغبة من الكونغرس وصناع السياسة في صبغ الخسارة بلون وردي.

لذا حمدا لله على أن المقاومة تتوقف عند حد ما، وأن الأشخاص الذين ننتخبهم للرئاسة مهما كانت زلاتهم لا يرغبون في تولي رئاسة ولايات متحدة مهزومة في معركة. ولا شك في أنهم يمتلكون فهما كبيرا بأنهم في الوقت الذي قد يؤيدون فيه الخسارة في المنتديات السياسية في واشنطن في ونيويورك فإن الرأي العام الأميركي لن يتقبل الأمر بسهولة. ولعل ذلك هو السبب وراء عدم قلقي كبعض أقراني حول تحديد الرئيس أوباما يوليو (تموز) 2011 لبداية الانسحاب الأميركي، وإذا ما نجحنا نحن وحلفاؤنا الأفغان في هذه النقطة فربما يكون التوقيت ذا مغزى. ولن يكون سهلا لأوباما أن يتقبل الهزيمة في 18 شهرا أكثر مما هي عليه الآن. ربما يعمل ذلك الرفض الأميركي العميق في قبول الخسارة بلباقة على اختبار مسارعة مؤسسة السياسة الخارجية على قبول الانسحاب الأميركي. إن صفوف إدارة أوباما تغص بالأفراد الجدد القادمين من الأكاديميات والمؤسسات البحثية والذين يتحدثون عن الحاجة إلى إدارة التراجع الأميركي. بل وحتى إنهم يتباهون بأنهم أكثر حنكة مما كانت عليه إدارة بوش في هذا الشأن. غير أنهم يقولون ذلك خارج الإطار الرسمي، ربما يعلمون أن الكثير من الأميركيين لن يصفقوا لهم بسبب حنكتهم، ودعونا نأمل في أن يكون ذلك الشخص الموجود في المكتب البيضاوي مدركا لذلك أيضا.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»