موطنهم خارج الوطن

TT

مر في نيويورك في طريقه إلى البيرو قبل أيام، السنيور خافيير دي كويار، الأمين العام السابق للأمم المتحدة. كل عام، في مثل هذا الوقت، يأتي الرجل إلى المدينة، قادما من مقر إقامته في باريس، مكملا إلى موطنه الأم في البيرو. وكل عام يلتقي خلفه في المبنى الأزرق، ورفاقه من الأمناء المساعدين السابقين، يتذكر ويتذكرون، يعرض القضايا ويعرضون.

هذه المرة الرحلة مختلفة قليلا. إنه ذاهب إلى ليما للاحتفال، مع أقاربه ورفاق صباه، بعامه التسعين. وربما كان في خانة العمر نفسه، خلفه الدكتور بطرس غالي. ويصغرهما بحوالي العقد، الأمين العام الذي خلفهما معا، كوفي عنان، الذي يعيش منذ تقاعده في جنيف.

غالي ودي كويار، اختارا الحياة في باريس، مع أن الدكتور بطرس يمضي أكثر الوقت في القاهرة، أو بالأحرى في مصر، التي بينه وبينها شبه غريب. مثلها ضاحك ومتعدد وطويل البال. لا أعرف لماذا اختار ثلاثة من الأمناء السابقين الإقامة خارج بلدانهم، مع أن عنان ودي كويار حاولا، فور التقاعد، خوض معركة الرئاسة في بلديهما، غانا والبيرو.

ربما لأنهم أمضوا من السنين خارج بلدانهم أكثر مما أمضوا فيها. فقد وصل دي كويار وعنان إلى الأمانة العامة من الوظيفة في المنظمة. وعرفاها كما عرفا شؤون العالم من خلالها عن قرب شديد. فهي برج المراقبة الأكثر شمولية من أي برج آخر. وبقي عنان على قرب من المنظمة في جنيف، حيث نصفها الآخر، أما دي كويار فيكتفي بالزيارة الطقسية السنوية. وقد بدت هذا العام مثل وقفة على الأطلال. فالمبنى الأزرق في ورشة ترميم وتصليح. وجناح الصحافيين بالذات مغلق، خصوصا أن موسم الأخبار هنا معلق في أي حال.

لكن لا أحد يضمن الهدوء في هذا العالم الذي تتولى الأمم المتحدة شؤونه وقضاياه، من قاع البحار إلى ثقب الغلاف الجوي. وهي لا تفعل الكثير أو تحقق الكثير، لكنها تحاول الكثير. إنها مثل الشرطة في المدن الكبرى، ليس مسموحا لها الدخول إلى المناطق الصعبة. لذلك تكتفي بأن تحرر في حقها ضبطا بالمخالفات.