لكي لا نظلم كل تجار جدة

TT

الكارثة التي حلت بمدينة جدة جراء سيل الأربعاء الشهير تصلح سجلاتها وشهود وقائعها لمعرفة عشاق ليلى الحقيقيين، وليلى هنا هي مدينة جدة، التي ادعى الكل عشقها، وهم يتنافسون على مقاعد بيت تجارها العريق، ومجلسها البلدي وغيره.

لقد عرفت ليلى، وهي تغرق في يوم الأربعاء الحزين، مَن مد لها ذراعه طوق نجاة، من كفكف دمعها، من ربّت على كتفها، من واسى جراحها، من احتضن ضحاياها، كما عرفت أيضا من أدار لها ظهره، واكتفى بمقت السيل، وهو يتربع على مقاعد «المتفرجين».

*ماذا قدّمتَ لجدة؟

سؤال صريح يفترض أن يطرحه الناخبون مستقبلا على كل المرشحين لمجالس إدارة بيت تجارها، ومجالسها البلدية وغيرها، لتعرف جدة لمن تفتح ذراعيها، وفي وجه من تغلق بابها ليتعلم قوانين الحب قبل أن يمارس بهلوانية القفز.

حينما تراجع ليلى دفاترها بعد أن تلملم جراحها ستكتشف أن عشاقها كثيرون جدا من تجارها، وأثريائها، وسكانها، ومن غير سكانها، كما ستكتشف أن أدعياء عشقها كثيرون أيضا، ويمكنها أن تعرفهم بكسوف وخسوف وجوههم إذا ما حدقوا لاحقا في عينيها الحزينتين.

أعرف أن خلف جدة وقفت شهامة ملك كفاها الحاجة، ومع هذا فإن سجل الوفاء لجدة ضم أيضا أسماء عدد من أبنائها وأبناء الوطن، ممن هبّوا لنجدتها. ولهؤلاء نقف احتراما وتبجيلا، وفي الوقت نفسه ندخر مقتنا، واستهجاننا، وماء أفواهنا لأولئك الذين اختزلوا علاقتهم بهذه المدينة في امتصاص خيراتها، فغابوا يوم العطاء، وأدبروا، وانزووا غير مأسوف عليهم، فللمدينة عشاقها الأوفياء.

أكتب هذا المقال بعد أن أشار البعض تلميحا أو تصريحا إلى غياب تجار جدة، واكتسب حديث بعضهم سمة التعميمية، لذا كان من اللازم الحديث عن النصف الآخر من الحقيقة الغائبة؛ عن عطاءات لرجال ومؤسسات تجارية في المدينة، ويبقى حديث من كتبوا صحيحا حول الجزء المظلم الذي لم يلتحق بنهر العطاء.

هي دعوة ملحة وجادة لأن تفتح جدة في هذه الأيام دفاترها، وأن تبرز أسماء الذين وقفوا معها، وعانقوا جراحها، وكفكفوا آلامها، وجزى الله الشدائد كل خير، فلقد عرفت جدة من خلال الكارثة من هم عشاقها.

[email protected]