في أن تضطر ليفني للهرب

TT

قد يستغرق الأمر مزيدا من الوقت لنتأكد ما إذا كانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني قد زارت لندن فعلا أو بالأحرى (تسللت) إلى العاصمة البريطانية وهربت قبل أن تعتقلها السلطات هناك بعد أن أصدر قاض بريطاني قرارا باعتقالها. لكن الأكيد هو أن التحرك الحقوقي القضائي، الذي بدأه قبل نحو عام ناشطون وحقوقيون فلسطينيون وبريطانيون لملاحقة مسؤولين إسرائيليين بجرم ارتكاب جرائم حرب في غزة، قد بدأت مفاعيله. ولم يحل التجاهل الظاهر للإعلام الإسرائيلي والغربي للأمر دون تسرب تفاصيل ومعطيات تؤكد بمجملها أن المخاوف التي عبر عنها سابقا معلقون إسرائيليون قد باتت حقيقة أو أقرب إلى الحقيقة. حتى وإن صدقنا النفي الذي أعلنه مكتب ليفني بأنها لم تزر لندن وأنها ألغت زيارتها المقررة لإلقاء محاضرة في مؤتمر يهودي، فهو تبرير مرتبك وغير مقنع. فإن لم تسافر ليفني خلسة فهي في أفضل الأحوال تحاشت السفر كي لا تتعرض للملاحقة القضائية والتوقيف، وهذا تماما ما بات على كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين والحاليين أن يمعنوا النظر فيه حين يقررون السفر إلى بريطانيا وهو ما قد يتطور ليشمل دولا لاحقة بحسب تطور الدعوى القضائية..

فإسرائيل التي كرست جهدها الدعائي والإعلامي في مرحلة ما بعد حرب غزة لاحتواء صور المجازر والدمار اللذين ارتكبتهما بحق الفلسطينيين، كانت تخشى أن تصل إلى هذه المرحلة، وهي أن يشرع القانون الدولي في شل حركتها الدبلوماسية والسياسية وأن يصبح قادتها عرضة للملاحقة في العالم.

ما جرى الأسبوع الماضي بداية مسار لن تتساهل إسرائيل في مواجهته وقد بدأت ملامح أزمة بينها وبين الحكومة البريطانية على خلفية قرار القاضي البريطاني..

لكن وفيما يسلك المسار القانوني الدولي طريقه وإن بتعثر وبصعوبة، لنقف ونتأمل مدى انعدام التأثير العربي في قضية هزت إسرائيل على نحو فعلي وسنحصل على صفر كبير.. فمضامين غضبة العرب حيال الحرب في غزة التي أصلا كانت دون مستوى الجريمة، انتهت مفاعيلها بعد أقل من شهر على انتهاء الحرب.. ومنذ انتهاء هذه الحرب حتى اليوم هناك حدثان على الأقل ارتبطا بها ولم يكن للعرب فيهما أي يد. إنهما أولا تقرير القاضي الدولي ريتشارد غولدستون الذي اتهم إسرائيل صراحة بارتكاب جرائم حرب وقد فشل العرب والفلسطينيون معهم في استثماره، وأخيرا قرار القاضي البريطاني إصدار مذكرة توقيف بحق تسيبي ليفني.. الحدثان يؤكدان عقم أساليبنا في تعقب حقوقنا وقضايانا عبر لغة التحريض المباشر والغرائزي ونجاح أساليب لم نرسها ولم يسبق أن اعتمدناها في مقاربة قضايانا ومآسينا..

فاستثارة مشاعر الرأي العام العربي وتحريضه أمر غاية في السهولة لكن الشروع في مسار قضائي حقوقي عمل جدي يستغرق ربما سنوات هو تقليد لم نكرسه..

لسنا في وهم أن المسار سهل، خصوصا مع التعثر الكبير في مسار السلام ومع الانكفاءة الأميركية والتراجع حيال دعم الفلسطينيين، لكن هذا بالتأكيد ما يجعل اللجوء إلى مسار قانوني دولي أكثر إلحاحا.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام