زمن الملاعق الصينية!

TT

جاء علينا حين من الدهر لم نكن شيئا مذكورا إلا في كتب الأمراض النفسية. إنني أتكلم عن مصر..

لا أحد يعرف أين اليمين وأين اليسار.. ما التقدم.. ما التدهور. إن كان أحد على حق، وإن كانت القوة هي الحق أو الحق هو القوة. ماذا أصابنا؟ ارتباك نفسي وعقلي وسياسي. وفجأة أصدر توفيق الحكيم مسرحية اسمها «يا طالع الشجرة» وهي تشير إلى أغنية شعبية غير معقولة وغير منطقية، لكن ظلت الملايين تغنيها على أنها لحن أو نكتة. الأغنية تقول:

«يا طالع الشجرة.. هات لي معاك بقرة

تحلب وتديني.. بالمعلقة الصيني».

الصورة: بقرة فوق شجرة، ومطلوب لبن البقرة، وأن يكون ذلك بـ«معلقة» صينية. وكأنها نبوءة؛ فكل شيء في أسواقنا صيني: الفول المدمس وفانوس شهر رمضان وأغاني شعبان عبد الرحيم..

واستهلت هذه المسرحية عصر «أدب العبث»، أي أدب اللامعقول..

وهو أن يكون الإنسان في مكانين في وقت واحد.. وفي زمانين في وقت واحد. فهل هذا معقول؟ ليس معقولا. إذن ما المعنى؟ المعنى أن توفيق الحكيم شارك أدباء العبث في أوروبا في انهيار العقل والمنطق في كل شيء: يونسكو وبكيت وارابال.

أنا ترجمت ست مسرحيات من هذا الأدب لكل من يونسكو وارابال، وظهرت على مسارح القاهرة هذه الموضة الأدبية. وطلب مني طه حسين أن أرافقه في مشاهدة مسرحية «يا طالع الشجرة». ولم يخف طه حسين سخريته، بل إنه كان يضحك بصورة لافتة.. فكل العيون قد اتجهت إليه. وقال لي: إن أوروبا عرضت أدب العبث من وقت طويل.. عرفت الشاعر لوتريامان وعرفت بودلير أيضا.

ويضحك طه حسين ويقول: ولكنهم أخف دما من أخينا توفيق، وهم يضحكون على ما أصاب العقل الإنساني في السياسة والفكر، ولكن أخانا توفيق عبوس مع أن توفيق خفيف الظل، إلا في هذه المسرحية.. ها ها!

ولو أعدنا مسرحية «يا طالع الشجرة» وذهب الناس يتفرجون عليها فلن يتعجبوا لما يرون، فنحن في حالة ارتباك واضطراب فكري وأدبي وفني وسياسي، ولا تكفينا ملايين الملاعق الصينية!