بعد قرار «المركزي» الأولوية يجب أن تكون للضفة الغربية

TT

لم يكن أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي هو ثاني محطة قيادية بعد المجلس الوطني، إلا أن يتخذ الخطوة التي اتخذها في رام الله يوم الثلاثاء الماضي بتكليف محمود عباس (أبو مازن) بالاستمرار برئاسة السلطة الوطنية، باعتباره رئيسا لدولة فلسطين استنادا إلى كونه رئيسا لهذه المنظمة التي هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والتي يعترف بها العالم على هذا الأساس والتي فاوضت الإسرائيليين وستتفاوض معهم وفقا لهذه الوضعية المعترف بها عربيا ودوليا.

لم يكن ممكنا ولا جائزا ترك الوضع الفلسطيني يذهب إلى الفراغ وإلى حالة انعدام الوزن مادام أن حركة «حماس» مصرة على رفض الانتخابات التي من المفترض أن تجري في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) المقبل ومصرة على شطب منظمة التحرير وما دام هناك استحقاقات كثيرة غدت تقف على الأبواب وباتت تنتظرها القضية الفلسطينية وأولها احتمال استئناف المفاوضات المتوقفة في أي لحظة.

قبل أيام اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة في غاية الأهمية عندما أكد وزراء خارجية دوله على أن القدس عاصمة لدولتين هما الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية وأن المستوطنات ومعها الجدار العازل قائمة على أرض محتلة وهذا يقتضي أن يتحاشى الفلسطينيون الفراغ الذي يبدو أن «حماس» تقف على الأرضية ذاتها التي تقف عليها إسرائيل بالنسبة إليه وأن يستعينوا وبسرعة بأطرهم الشرعية لتجنبه إلى أن تصبح الانتخابات ممكنة في غزة كما هي في الضفة الغربية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى عدد من الحقائق التي هي غير معروفة للكثيرين وهي أن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التي انعقدت في الجزائر في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1988 قد أعلن قيام الدولة الفلسطينية، والدولة الفلسطينية هي غير السلطة الوطنية، وهو أعلن أيضا أن رئيس هذه الدولة التي لا تقتصر على الضفة وغزة بل تشمل الفلسطينيين كلهم هو رئيس منظمة التحرير ولذلك فإن محمود عباس (أبو مازن) بصفته الرئيس لهذه المنظمة فإنه هو رئيس دولة فلسطين وإن من حق المجلس المركزي أن يكلفه بمواصلة عمله كرئيس للسلطة الوطنية التي تنتهي ولايته كرئيس لها في الخامس والعشرين من يناير المقبل إلى أن يصبح بالإمكان إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غزة على غرار إجرائها وفي الوقت نفسه في الضفة الغربية.

المعروف أن «حماس»، التي كانت قد وضعت نصب أعينها قبل انقلابها الدموي المعروف وبعد ذلك ضرورة تدمير منظمة التحرير وتدمير السلطة الوطنية، قد منعت لجنة الانتخابات المركزية وهي لجنة مستقلة يرأسها الأكاديمي المعروف صاحب جامعة بيرزيت الشهيرة حنّا ناصر من الوصول إلى قطاع غزة للإعداد لهذه الانتخابات وهي كانت قد فاوضت أبو مازن سرّا على أنها مستعدة لتأجيل الانتخابات لمدة عامين والظاهر هنا أنها تراهن على استغلال هذه المدة الزمنية للسيطرة على الضفة الغربية كما سيطرت على قطاع غزة.

والمعروف أيضا أن الرئيس الفلسطيني، الذي كان أكد مرارا وتكرارا على أنه لن يرشح نفسه مرة أخرى لرئاسة السلطة الوطنية، كان قد التزم بعدم إجراء لا انتخابات تشريعية ولا انتخابات رئاسية في الضفة ما لم يصبح إجراؤها ممكنا وفي الوقت ذاته في قطاع غزة وذلك حرصا على عدم تكريس الانفصال القائم بوجود دولة هناك ووجود دولة هنا ووجود شعب فلسطيني في هذه الدولة ووجود شعب آخر في الدولة الأخرى.

وبالطبع فإنه غير مفاجئ أن يسارع إسماعيل هنية، الذي يبدو أنه استمرأ منصب رئيس الوزراء في إمارة غزة الإسلاموية، إلى استباق انعقاد اجتماع المجلس المركزي الذي انعقد في رام الله يوم الثلاثاء الماضي بتصريح ناري أعلن فيه أن ولاية محمود عباس (أبو مازن) منتهية وأن «حماس» لن تعترف بالتمديد له وأنها ستتصرف من الآن فصاعدا على أن رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك، الذي ستنتهي ولايته أيضا في الخامس والعشرين من يناير المقبل والذي هو أحد قيادييها، هو رئيس السلطة الوطنية.

لقد ثبت وبعد مفاوضات «ماراثونية» وبعد وساطة مصرية تحلّت بطول النفس والمثابرة أن «حماس»، التي ربطت نفسها مبكرا بالبرنامج الإيراني وبتطلعات إيران لتكون الرقم الرئيسي في المعادلة الإقليمية، تتحدث عن الوحدة الوطنية، لكنها بقيت تعمل ضدها وأنها كما بقيت تفاوض ياسر عرفات لأكثر من عقدين من الزمن للانضمام إلى منظمة التحرير دون أي طائل ورفضت كل عروضه التشجيعية السخيّة فإنها عقدت اتفاقية مكة المكرمة وتخلّت عنها قبل أن يجف الحبر الذي كُتبت به وأنها بقيت تتجاوب مع الوساطة المصرية لكنها في النهاية رفضت التوقيع على الورقة التي أعدتها مصر والتي وقعت عليها حركة «فتح» مع أنه لها عليها بعض الملاحظات الأساسية.

إن هذا هو الواقع وإنه في ضوء هذا كله لم يكن أمام المجلس المركزي، الذي لا تعترف به «حماس» ورفضت الانضمام إليه رغم أن كل الفصائل الفلسطينية الحقيقية ممثله فيه، سوى أن يطلب من محمود عباس (أبو مازن) وجميع مؤسسات السلطة الوطنية بما فيها المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية بالاستمرار في عملهم إلى أن تصبح هناك إمكانية لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الوقت ذاته في غزة والضفة الغربية.

وهنا فإن الحقيقة، التي لا بد من قولها رغم أنها مؤلمة، هي أن هذا الانقسام الفلسطيني الجغرافي والسياسي والإداري غدا أمرا واقعا وأنه لم تعد هناك إمكانية، على المدى المنظور على الأقل، لرأب الصدع وهذا يقتضي أن يتصرف الرئيس محمود عباس (أبو مازن) على هذا الأساس وبخاصة بالنسبة إلى استحقاقات عملية السلام، « إلى أن يأتي الله بما لا تعلمون»، أما أن يبقى يراهن على ضمائر قادة «حماس» وأنها قد تستيقظ في أي لحظة فإن هذا يبدو أنه لم يعد ممكنا ما دامت هذه الحركة قد أُنشئت بالأساس لترث الحالة الفلسطينية كلها ولتكون بديلا لمنظمة التحرير وحركة «فتح» وكل الفصائل القديمة والجديدة و«لتأخذ الجمل بما حمل».

إن غزة لم تعد محتلة وإنه لم تعد توجد فيها أي مستوطنات ولذلك فإن مسؤولية أبو مازن ومسؤولية منظمة التحرير وفصائلها ومسؤولية السلطة الوطنية هي دحر الاحتلال عن الضفة الغربية وهي التركيز على إقامة الدولة المستقلة المنشودة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية فهذا هو المطلوب الآن، أما إقناع «حماس» بالوحدة الوطنية الحقيقية فإنه بالإمكان تركه ليكون الخطوة التالية وعلى أمل أن تتغير بعض المعطيات الإقليمية ويتخلخل هذا الحلف الذي اسمه «فسطاط الممانعة والمقاومة» والذي لا هو ممانع ولا مقاوم.

لا عيب إطلاقا في أن تُعطى الأولوية الآن لتحرير الضفة الغربية ولإقامة الدولة المستقلة المنشودة وعاصمتها القدس الشرقية وأن تترك غزة لوقت لاحق ما دام أنها غير محتلة وما دام أنه لا توجد فيها مستوطنات وما دامت «حماس» لم تشبع جوعها العقَدِيّ للحكم والانفراد به أما أن يتواصل الانشغال بحكاية غدت كحكاية إبريق الزيت فإن هذا بالإضافة إلى إضاعة للوقت والجهد فإنه سيكون على حساب هذه الفرصة التاريخية السانحة، حيث حدثت كل هذه التحولات العالمية تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه القضية الفلسطينية.