عودا حميدا

TT

هناك بهجة سعودية واضحة الملامح بعودة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز من رحلته العلاجية والأمير سلمان الذي رافقه فيها طوال مدتها. عودة انتظرها الناس وتخللها سيل لم يتوقف من الأخبار وأنصاف الأخبار والإشاعات والقيل والقال، ولكن «مشهد» العودة وتبعياته كان كافيا لأن يعيد الطمأنينة إلى الناس. سلطان بن عبد العزيز رجل دولة بامتياز ومن أعمدة الحكم بالسعودية، وهناك ملفات كثيرة كانت تحت إشرافه الشخصي، وبالتالي دوره ملموس بشكل جوهري في مجالات عدة، وتفاعل الناس بشكل إيجابي كبير وهم يستمعون لأولى كلماته بعد رجوعه وهو ينعى ضحايا سيول مدينة جدة ويطمئن الناس أن المشكلة في طريقها للعلاج، وبعدها قام بزيارة بالغة الدلالة لمصابي القوات المسلحة جراء مواجهاتهم مع متسللي الحوثيين في مناطق الحدود الجانبية مع اليمن. سلطان يعرفه السعوديون بحبه للخير وتفاعله مع المطالب وأصحاب الحاجة، وهناك المواقف والحالات المختلفة التي تشهد على ذلك الأمر وتؤكده، وهناك حاجة ملحّة في مسألة سيول جدة وضحاياها بأن يتم التعاطي مع الضحايا من غير السعوديين بنفس درجة الحماس والتفاعل، فالسيول لم تفرق حين حدوث الكارثة بين السعودي والمقيم، والأمل كبير في أن تطال أيادي الخير أصحاب الحاجة في ظل مأساة هائلة لم تنتهِ فصولها إلى اليوم.

سلطان يعود إلى بلاده بعد غياب طال وهو يشهد استقبال مليكها وشعبها بشكل عفوي صادق ومشاهد احتفالية غايتها الأهم تزكية اللحمة الوطنية وتنمية أواصر المحبة بين الشعب والقيادة. وعاد مع ولي العهد أمير العاصمة سلمان بن عبد العزيز الذي أسس عاصمة مثالية بتركيبة من البنى التحية العصرية والتي باتت تضاهي أهم المدن في المنطقة، وهي أصبحت فعليا أكبرها مساحة. رجل دولة وحاكم فعال يضرب به المثل في الانضباط ومباشرة الإدارة وحسم الأمور. والرياض كعاصمة فيها من سلمان الرجل والحاكم والأمير والإنسان، هي مرآة له. هناك كثر من لهم قصص مع سلطان ومع سلمان، قصص ومواقف وعبر مهمة ما بين المعنى الإداري والخيري والإنساني والثقافي وغيرها، ولكنها في الغالب مواقف «شخصية»، وهذا هو تميز الرجلين. عادا بعد طول غياب وسط دعاء لم ينقطع وشوق كبير، مقدمين «إفادة» للكثيرين عن هذا الغياب الطويل، فسلطان قدم عبرة الصبر مع الابتلاء والصبر مع المرض وأن مبادلة الناس بالمحبة هي الجسر الكبير للتواصل، وسلمان قدم درسا جميلا في الوفاء والولاء والمصاحبة الدائمة في مشهد عظيم للبر والإحسان كما أمرنا به، وهي مسألة ليست بجديدة عليه، ولكن ذاكرة الناس لا تزال حية بمواقفه مع أخيه الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز. استبشار الناس بخبر العودة وخبر الوصول هو أكبر دليل صادق وأكيد أن ما يربط الناس بقيادتهم حبل شديد من الأمانة والعهد والود والمحبة والمسؤولية والأمل، وهي جميعها أنسجة تشكل مشهد الحكم والولاء والسمع والطاعة. أرسى عبد العزيز نهجا فريدا للحكم، وحّد فيه ما كان غير قابل للتوحد، وجمع بين من كانوا غير قابلين للتجمع، وتحول المشهد الفوضوي القديم إلى دولة متوحدة يسعى ويحاول أبناؤها العيش في عالم عصري جديد بكرامة وحقوق وأمان، وعلى ذات النهج سار أبناؤه ملوك هذه البلاد وأمراؤها. المحبة والاحترام اللذان ينبعان من القلب هما أقوى من الشعارات واللافتات «والضوضاء» المسيرة، ولعمري هذه فرصة السعوديين الكبرى اليوم.

[email protected]