صدام وبلير وتقييم التاريخ

TT

بعد مرور ستة أعوام على سقوط صدام حسين، لا تزال الأحداث التي أدت إلى تحرير العراق قضية سياسية ساخنة داخل كل من بريطانيا والولايات المتحدة.

ولكن، فقدت القضية بعضا من زخمها بعد فوز باراك أوباما، الذي كان يعارض الإطاحة بصدام حسين، بالرئاسة. ويشعر معارضو الحرب الأميركيون أنه لم يتبق سوى القليل من الكلام حول هذه القضية. ولكن في بريطانيا، لا يزال معارضو تحرير العراق ناشطين، حيث إنهم لم يفوزوا بالسلطة ولديهم أمل ضئيل في تحقيق ذلك مع ازدياد احتمالية فوز المحافظين خلال الانتخابات العامة المقبلة.

وما بقي لهم هو الانتقام ممن أقنعوا الشعب البريطاني بدعم الحرب وأقنعوه بعد ذلك بالمشاركة في الحملة التي أنهت أربعة عقود من الحكم البعثي داخل بغداد. والهدف الرئيسي لهؤلاء هو رئيس الوزراء السابق توني بلير، الذي لعب دورا محوريا في توفير دعم للحرب. ومطلع العام المقبل، من المقرر التحقيق مع بلير في إطار تحقيق دشنه خلفه غوردن براون من أجل استرضاء الجمهور الذين يحنون إلى صدام.

عندما دشن بلير حملته لتوفير دعم شعبي للحرب، نصحه خبراء في اتصالات بأن يؤكد على تقارير استخباراتية تشير إلى أن صدام حسين قام بإعادة تشغيل مشاريع تستهدف إنتاج أسلحة دمار شامل. وحينئذ رأى بعضنا أن خيار بلير كان خاطئا، حيث إنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، معرفة نوع التصرفات الخاطئة التي توشك حكومة آبقة على القيام بها داخل مجتمع سري مغلق. وفي نفس الوقت، كان عدد كبير من مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة عاجزين عن إثبات أو إنكار فكرة إعادة إحياء مشاريع أسلحة الدمار الشامل بعد قضاء 13 عاما تقريبا داخل العراق.

(وقتذاك تمت معارضة استخدام أسلحة الدمار الشامل كمبرر رئيسي لتحرير العراق وذلك من خلال برنامج وثائقي للتلفزيون البريطاني.) وبمجرد الإطاحة بصدام تبين أنه لم يكن قادرا أو جاهزا لإحياء مشاريع أسلحة الدمار الشامل. وبدا أن تبرير بلير الرئيسي للحرب زائف.

ولكن، يعد تقييم حدث مثل تحرير العراق بالرجوع إلى قضية واحدة فقط خطأ كخطأ بلير في محاولة تبرير عمله العسكري، فقضية إحياء صدام لمشروعات أسلحة دمار شامل كانت ولا تزال غير ذات صلة. ويشبه ذلك تقييم الدكتاتور بالإشارة إلى شاربه، وهو شيء في الوجه يمكنه أن يتركه ينمو ثم يحلقه ثم يتركه ينمو من جديد.

كانت القضية الحقيقية هي أن صدام حسين لديه أسلحة دمار شامل، واستخدمها في حربين ضد إيران والأكراد العراقيين، ويمكنه إنتاج هذه الأسلحة واستخدامها مرة أخرى إذا أراد ذلك. وكان صدام نفسه سلاح دمار شامل ضد شعبه وجيرانه وآخرين وراء ذلك.

القضية هي أن بلير والآخرين كان عليهم التعامل مع طبيعة النظام البعثي وتركيبته الجينية المدمرة وليس مع الاختلافات السلوكية. وكان السؤال، ولا يزال: هل يمثل نظام صدام تهديدا للسلام والاستقرار داخل المنطقة؟

معارضو الحرب يعرفون الإجابة.

وهذا هو ما جعلهم يرفضون مواجهته في ذلك الوقت ويستمرون في تجنبه في الوقت الحالي. تهديد نظام صدام لم يكن من وحي الخيال ولم يكن نتيجة تقييم أحادي قام به بلير.

لقد وصف النظام البعثي على أنه تهديد في 14 قرارا من مجلس الأمن، معظمها مرر في إطار الفصل السابع من وثيقة الأمم المتحدة التي سمحت بالعمل العسكري ضد صدام. استخدم القراران الأولان كأساس لحرب الخليج التي أدت إلى تحرير الكويت عام 1991.

ولم يكن التقييم المجمع عليه من جانب المجتمع الدولي هو وحده الذي جعل من صدام تهديدا. ويرى شعب العراق ذلك لأن النظام البعثي بالنسبة لهم تهديد يومي على مدى أربعة عقود. وقد ظهرت الرغبة المجمع عليها من جانب شعب العراق في التخلص من مضطهدهم، فلم يكن هناك أي عراقي، بمن فيهم أعضاء حزب البعث ووحدات النخبة التابعة لصدام، قادرا على القتال من أجل النظام وهو ما أكد انهياره في 20 يوما. وفي هذا السياق، فإن شعب العراق هو من حرر نفسه. ورغبة الشعب العراقي في التحرر تم تأكيدها بعد ذلك في سلسلة من الاستفتاءات والانتخابات وسوف يتم تأكيدها مرة أخرى في الانتخابات العامة المزمع عقدها في مارس (آذار) المقبل.

والآن، دعونا نعد إلى بلير.

لم يتعرض سوى عدد قليل من رؤساء الوزراء البريطانيين في العصور الحديثة لحملة تشهير كتلك التي تعرض لها توني بلير. وتظهر الخصومات الكثيرة مع الرجل أنه قام بشيء، وفي الواقع بالكثير من الأشياء. ما كان لسياسي لا يقوم بشيء محدد سوى الإدلاء بخطابات أو العبث مع مساعدين، كما هو الحال مع رئيس أميركي سيبقى دون ذكر اسمه، أن يثير مثل هذا القدر من الكراهية. لقد أغضب بلير جزءا كبيرا من حزب العمل الذي يتبعه، عن طريق ذبح معظم بقراتهم المقدسة، ولا سيما الفقرة الرابعة التي جعلته صورة عتيقة من الاشتراكية.

للتروتسكيين والماويين وعشاق كاسترو ويساريين آخرين، على الرغم من أنهم ليسوا كثرا، صوت مرتفع يكفي لدعم حالة الغضب إزاء بلير. وكان لدى الكثير من اليساريين أوهام عن صدام حسين كثوري من العالم الثالث يقف أمام القوى الإمبريالية الغربية. ولذا كرهوا بلير. وكرهه الإسلاميون لأنه كان مستعدا للقتال، في الوقت الذي وصفوا فيه حضارة الغرب على أنها حضارة «الجبناء السمان الكسالى الذين يخشون من الحرب حتى للدفاع عن حياتهم».

ويرى الملحدون واللاأدريون أن بلير شخص غريب حيث يبدو أن لديه عقيدة دينية ما. ويكرهه المحافظون لأنه «سرق» بعضا من أفكارهم، وفي بعض الحالات تمكن من التظاهر بأنه الوريث السياسي لرئيسة الوزراء مارغريت تاتشر.

ويكرهه أيضا الجمهور المعادي للحرب الذين يفضلون فكريا الحلول السلمية؛ لأنه كان مستعدا للدخول في حرب في الوقت الذي كان يرى فيه كثير من «الحمقى المفيدين» وبعض المواطنين المخلصين المُضلَّلين أنه يجب محو الحروب من الوجود الإنساني كما حدث مع العبودية وغشيان المحارم.

وعلى أي حال، فإن السياسي الذي يتمكن من الفوز خلال ثلاثة انتخابات عامة متعاقبة ويبقى مسؤولا عن مجتمع معقد لأكثر من عقد سوف يثير بعض مشاعر الاستياء. ويختزل هؤلاء مشاعرهم في قضية العراق ويختزلون القضية ذاتها في الخلاف حول أسلحة الدمار الشامل. ولكن، يحتمل أن يكون للتاريخ رأي مختلف في بلير، فهناك احتمالية أكبر لأن يبقى في الذاكرة كرجل دولة حازم قادر على تجاهل استطلاعات الرأي ومجموعات الضغط واتخاذ قرارات حازمة لصالح السلام والاستقرار على المدى البعيد.

وحتى في الوقت الحالي، يبدو بلير أفضل من منتقديه، فهو لا يتحسر على وفاة صدام ولا على تحرير الشعب العراقي المكروب.