حجة أوباما

TT

جاء قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن أفغانستان متأخرا وفوضويا، لكن شجاعا في الوقت ذاته. على النقيض من التوقعات التي رأت أنه سيستقر في النهاية على قرار باهت ضعيف، اتخذ أوباما قرارا قويا، مما أثار انبهار قادته العسكريين ونال رضاهم. وعلى النقيض من اتهام ديك تشيني، نائب الرئيس السابق، له بأنه يتخذ قرارات الأمن القومي بناء على «اعتبارات سياسية ضيقة النطاق»، وقف الرئيس في وجه قاعدته السياسية. وما من تفسير منطقي لمثل هذه التصرفات إلا التزام أوباما الحقيقي بحماية الأمن القومي. لقد حان الوقت كي نحتشد وراء الرئيس.

أما الإخفاق الذي مني به أوباما ـ وهو ضئيل مقارنة بقراره الرائع ـ فجاء على صعيد الاتصال. على امتداد 34 دقيقة ألقى خلالها خطابه في «ويست بوينت»، لم يبذل أوباما جهدا يذكر لشرح الصورة التي سيجري من خلالها تنفيذ قرار تعزيز القوات الأميركية في أفغانستان، والأسباب التي تدعوه للاعتقاد بأن هذا القرار سينجح. في المقابل، تميز القادة العسكريون في أفغانستان بقدرتهم على صياغة الحجة المؤيدة لهذا القرار على نحو أفضل. أما المصدر الذي يستقون منه ثقتهم فبسيط، حيث يرون أنه داخل المناطق التي توفر قوات التحالف فيها الأمن بصورة فاعلة، يستجيب السكان بصورة إيجابية، حيث يتعاونون مع الأجانب ويعيدون بناء مؤسساتهم المرتبطة بالحكم الذاتي القبلي. إلا أن المشكلة تكمن في عدم توافر أعداد كافية من القوات على الأرض. على الجانب الآخر، تفرض «طالبان» حكمها بقوة التهديد داخل المناطق المفتقرة إلى الأمن. ويتلقى السكان «رسائل ليلية» تهددهم بالأذى وتتوعدهم بالقتل إذا عملوا مع قوات التحالف أو مع الملالي المتعاونين معهم. يجري توزيع هذه الرسائل في وقت متأخر من الليل، وغالبا ما تتسم بفاعلية كبيرة.

في نهاية الأمر، سيتحتم على القوات الأفغانية التمتع بالقدرة على توفير مناخ من الاستقرار، وهذا هو السبب وراء الأهمية البالغة لعنصر التدريب العسكري في إطار قرار تعزيز القوات. ولا يجري هذا التدريب على غرار ما يدور داخل الفصول الدراسية، وإنما يقوم على دخول قوات أميركية في شراكة مع وحدات أفغانية، بحيث تنقل إليها المعرفة وتقدم أمثلة على الحرفية. من جانبهم، يعمل الجنود الأفغان بجد بهدف إبهار ومحاكاة نظرائهم الأميركيين. بوجه عام، تزداد صعوبة الإتيان بأداء مبهر عندما يخضع المرء لمراقبة. الواضح أن تعزيز القوات سيؤتي نتائج مختلفة في أفغانستان عن تلك التي جاء بها في العراق، حيث كان يحتفظ العدو بملاذات آمنة حول بغداد وفي محافظة ديالى. وأدركت المؤسسة العسكرية أن بضعة ألوية إضافية بمقدورها سحق الأعداء وحماية المدنيين. ومن المعتقد أن أفغانستان ستشهد عمليات عسكرية كبرى شبيهة بما جرى في العراق. إلا أن كل وادي يقطنه البشتون في شرق وجنوب أفغانستان له قصة خاصة به، ويقاتل سكانه المحليون لأسباب مختلفة. ولا شك أن جهود تهدئة الأجواء في هذه المناطق ستكون صعبة وانتقائية.

الملاحظ أن الفوضى المشتعلة في المناطق الحدودية من أفغانستان وباكستان اجتذبت بعض أكثر الإرهابيين تشددا على مستوى العالم، وهم أناس لن يمنعهم عن القتال سوى الموت. علاوة على ذلك، تضم أفغانستان كثيرا من «مجموعات تخوض حرب عصابات بالصدفة»، وهي عبارة عن سكان محليين أشداء ومسلحين يعتمل الغضب في نفوسهم ولا يشكلون جزءا من الحرب ضد الإرهاب. ويجب إقناع هؤلاء الأفراد بمعاودة الانضمام إلى مجتمعات مستقرة وتقبل سلطة القيادات القبلية.

أما العقبة الكبرى أمام الوصول إلى هذه النتيجة فهي الفساد الحكومي، وهو أحد الدوافع الرئيسية وراء التمرد. ولا يحمل هذا الفساد الصورة التقليدية للفساد الأفغاني القائمة على محاباة الأقارب أو تفضيل القبيلة التي ينتمي إليها المرء، وإنما يعد أمرا جديدا نسبيا على المجتمع الأفغاني، ويتألف من عصابات بالغة الضخامة متداخلة على نحو رأسي. ويعمد المسؤولون الفاسدون إلى بيع أصول الدولة وتحويل أموال التنمية إلى حسابات مصرفية أوفشور. ويقوض هؤلاء الفاسدون ولوردات الحرب الثقة في الحكومة الأفغانية في الوقت ذاته الذي تشكل فيه هذه الثقة عنصرا رئيسيا لنجاح جهود مكافحة التمرد. وسيحتاج الرئيس الأفغاني حميد كرزاي إجراء كثير من المحاكمات لمسؤولين رفيعي المستوى والتخلص من المسؤولين الفاسدين على المستويات كافة. من جانبهم، لم يفقد القادة العسكريون الأميركيون الأمل في إمكانية نجاح هذا الأمر، خاصة أنه حتى التطورات الإيجابية المتواضعة على صعيد الحكم من شأنها إقناع بعض الأفغان بالتخلي عن حركة التمرد، خاصة إذا ازدادت احتمالية تسبب هذه الحركة في سقوط مزيد من القتلى.

قد تبدو هذه الأهداف عسيرة للغاية. في الواقع، إنها تمثل الأهداف المثالية وراء أي جهود لمكافحة التمرد، ذلك أن حماية المدنيين من العنف تعد أساس كل تقدم يمكن إحرازه، وتوفير الوظائف يرتبط بالمساعدات والتنمية، وتحسين الحكم. إلى جانب تدريب القوات الأمنية لتحمل مزيد من المسؤولية داخل البلاد. وبإمكان هذه الجهود حال بذلها على نطاق واسع حشد زخم كبير، وبث الثقة في نفوس القيادات المحلية تجاه جدوى التعاون وتوفير المعلومات الاستخباراتية حول الأشرار. لقد نجحت هذه الجهود في العراق، وتحرز نجاحا بالفعل في بعض أجزاء أفغانستان. وربما تنجح على نطاق أوسع، إذا ما أبدى الأميركيون صبرا وإصرارا.

في نهاية الأمر، على أوباما شرح حجته بالتفصيل، لأن الاختبار الذي تواجهه قيادته وقت الحرب قد بدأ لتوه فحسب. المتوقع أن تندلع معارك ضارية الربيع والصيف المقبلين، مع تحول قوات التحالف للهجوم بهدف القضاء على الزخم الذي تحظى به طالبان، وتوفير الأمن اللازم لتحقيق تقدم سياسي واقتصادي. ومع تفاقم أعداد الضحايا، ستزداد أهمية تقديم تفسير مقنع لهذه الاستراتيجية.

* خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».