العراقية الرائعة

TT

حاولت أن أحادث زها حديد في أحد مؤتمرات دبي فلم تعطني الكثير من الوقت. أو القليل منه. وكل ما أردت أن أقوله لها يومذاك، أنه كلما ذُكر اسمها في العالم، شعرت بشيء كثير من الاعتزاز. لكنها لم تكن في حاجة إلى شيء من هذا. لقد سمعت الكثير منه. في كل مكان. وهذا الأسبوع أقرأ في العدد السنوي من «نيويوركر» عن خمسة أشياء غيرت ملامح العالم: الأول، الصين. الخامس، العراقية زها محمد حديد، وزير المالية في عهد الزعيم الأوحد، عبد الكريم قاسم.

ربما، فقط ربما، وأكتب ذلك دون أي إمكانية للتأكيد، أن زها حديد هي أغنى مهندسة في التاريخ. من متحف القرن الحادي والعشرين في روما إلى محطة القطار في نابولي إلى محطة القطار في فيل على الراين في ألمانيا إلى ستراسبورغ إلى مركز التزلج في إنسبروك، إلى متحف الفن المعاصر في ولاية سينسناتي، إلى مركز العلوم في ولفسبورغ، ألمانيا، إلى مصنع «بي إم دبليو» الحديث في مدينة ليبزيغ، يبرز توقيع زها حديد في كل مكان. كم هي ثروتها إذن؟ لا أدري. الذي نعرفه أنها تلقت 200 ألف دولار العام 2005 من أجل تصميم طاولة طعام.

أسمح لنفسي المغامرة بالقول إنه ليس من مهندس معماري دار توقيعه حول الأرض مثل زها حديد، التي أكره أن أتخيل لو أنها بقيت في بغداد. تخيل لو أن هذه الثروة الإنسانية العالمية لا تزال في بغداد، تخاف، مع هبوط المساء، أن يدخل الحرامية إلى منزلها. أو مع العصر أن تفجر الساحة التي ذهبت للتبضع فيها. أو في الصباح أن تتفجر الجامعة التي ذهبت لإلقاء الدروس فيها.

تصور هذه العبقرية العربية التي بدأت تسيطر على المراتب في تاريخ الهندسة والفنون، لو أنها تحاول العمل من مكتب هندسي في بغداد. أو حتى بيروت أو القاهرة. وإنها بحاجة إلى توقيع المدير الفني في وزارة عربية.

لن أنسى لزها حديد أنها صرفتني عنها، بقليل أو كثير من العجرفة والفظاظة، ولكنني لن أنسى لها أيضا، أنها جعلت العبقرية العربية من أهم ظواهر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولا تنفي زها حديد، التي درست في جنيف ولندن، أن أكثر ما أثر في حياتها هو الفن المعماري العربي وعلوم الهندسة الإسلامية. صحيح أن ما تفعله مختلف جدا، لكنه كان بالنسبة إليها نقطة الانطلاق وقاعدة العمل. كم يفخر المرء عندما يقال إن سيدة عربية غيرت في ملامح هذا العالم!