العب يا ولد

TT

هناك أمور وحوادث تمر على الإنسان في حياته التعبانة وينساها - وما أكثر ما نسيت ولله الحمد -، غير أن هناك أمورا وحوادث ترسخ في الذاكرة ولا يمكن أن تنسى أو تمحى.

ورغم أن هذه الحادثة التي سوف أرويها لكم حصلت في سنة 1970 إلا أنها ما زالت ماثلة أمامي وكأنها حصلت بالأمس.

وهي حادثة عادية وبسيطة لم يترتب عليها لا حرب ولا قتل ولا سحل ولا حتى تجنّ على أحد، إلا أنها لها دلالتها العفوية أو البريئة أو الساذجة أو الصادقة إن صح التعبير - وهي تحكي عن واقع (الحال).

فأذكر أنني كنت حاضراً في أحد المجالس المعتادة، وكان يجلس أمامنا أربعة أشخاص على الأرض يلعبون الورق (الكوتشينة)، بما يسمّى لعبة (البلوت) التي لا أعرفها ولا أفقه في قوانينها شيئاً، فلعبتي المفضلة التي أعرفها وأتقنها يعاقب عليها القانون.

المهم في ذلك الوقت كان التلفزيون (الأبيض والأسود) يبث صوراً عن نزول المركبة الفضائية الأميركية (أبولّو - 13) على سطح القمر، وكان الجميع مشدوهين من ذلك الحدث العظيم والرائع، وكنت بدون مبالغة أكثر الحاضرين انشداهاً، ولو كانت لدي قدرة على اختراق شاشة التلفزيون لاخترقتها.

لأنني منذ صغري، بل ومنذ كنت في رحم أمي وأنا أحلم بأن أتجول بين نجوم السماء، وما زال الأمل عندي أنني سوف أفعل ذلك يوماً.

وقطع عليّ انشداهي وأحلامي صوت أحدهم ينادي على أحد اللاعبين الأربعة قائلا له وهو يشير إلى التلفزيون: انظر يا (أبو فلان) لهؤلاء الذين ينزلون على القمر.

فتوقف (أبو فلان) عن اللعب قليلا، ثم رفع رأسه الثقيل وأخذ ينظر بعيونه الفاترة بالتلفزيون للحظات باحتقار وتعجّب، ثم مط شفتيه وقلّب يديه، ولوى بوزه قائلا: صحيح إنهم (فاضيين)!!

وبعدها قال لرفيقه الذي يواجهه: العب يا ولد، (صنّ)، ثم ضرب الورقة التي كانت بيده بحماسة على الأرض.

وهذه الحادثة (الطريفة) ذكرتني بما قرأته لاحقاً.

فيروي (جون شفايغرت) أحد أفراد طاقم المركبة الفضائية «أبولو - 13» التي حطت على سطح القمر عام 1970، كيف منعته الرحلة من إرسال تصريح يدخله إلى دائرة ضريبة الدخل:

«في 12 أبريل (نيسان)، اليوم الثاني للرحلة، سألت محطة المراقبة الأرضية أن تحصل على إذن لي بتمديد موعد إرسال التصريح الذي منعني من إرساله أني حللت، في اللحظة الأخيرة، مكان ملاح آخر في رحلة أبولو - 13».

غير أن دائرة الضرائب ردت عليه بخطاب جاء فيه - بما معناه - أن عذرك هذا هو أقبح من ذنب، صحيح أن هناك قانونا يمدد بموجبه دفع الضريبة لكل شخص (خارج البلاد)، وكان من المفروض أن تبعث لنا عذرك قبل أن تغادر خارج البلاد، ودفّعوه (غرامة مخالفة) + الضريبة.

القانون هو القانون فهو يسري على كنّاس الشوارع، وعلى قائد المركبة الفضائية الذاهب إلى (الجمهورية القمريّة).

ولكي لا يلتبس عليكم الأمر، فهذه الجمهورية التي ذكرتها لا دخل لها بجمهورية (جزر القُمر)، وهي العضو رقم 22 في جامعة الدول العربية (الأبيّة) - إن لم تخنّي الذاكرة -.

[email protected]