إلا أنهم يكتبون

TT

الكتاب فئة مدللة، حتى البائس منهم. يريدوننا أن نقرأ عنهم أكثر مما نقرأ لهم. يحيكون لنا أبطالا من مخيلتهم ويريدوننا أن نعتقد أن بعض هؤلاء الأبطال هم. يحزنون فيريدوننا أن نصفق لهم في حلبة الرقص. ويجوعون فيحملوننا المسؤولية. يفشلون فيلقون اللوم على جهلنا.

كان مارسيل بروست، صاحب «في البحث عن الوقت الضائع»، مصابا بالحساسية لا يستطيع الاقتراب من الزهر والشجر. وأخيرا اتخذ لنفسه مكتبا في باريس، أغلق نوافذه، ومضى يؤلف. وتحولت حساسية بروست في حياته، أو حولها، إلى مسألة تشغل فرنسا. وفي مئات الكتب التي وضعت عنه، القضية الكبرى هي ستائر ذلك المكتب وأوراق الجدران. ولا ندري كم كان عدد المصابين بالحساسية في زمن بروست. وما درى بهم أحد ولا سمع عنهم أحد.

كم قرأنا عن أمزجة الكتاب: متى تكتب سيادتك وكيف؟ في الصباح أم في الليل؟ بعد النوم أم قبل النوم؟ في الهدوء أم في الضجيج؟ في الريف أم في المدينة؟ مع القهوة؟ مع السيجارة؟ بالحبر الناشف أم بالحبر السائل؟ دائما السؤال حول «كيف» تكتب وليس «ماذا» تكتب. وما الكاتب إلا نتاجه. فماذا يعنينا إن كان ما وصل إلينا قد كتب بالحبر الأحمر؟ وماذا يهمنا إن كانت روائع دوستويفسكي قد كتبت في الليل أو في النهار؟ وماذا يغير في أدب بلزاك أنه كان يكتب الروايات بسرعة لكي يسدد ديونه المتأتية عن استثماراته الفاشلة والمضحكة أحيانا؟

لكننا نريد أن نعرف. فواقع الأمر أنهم «أبطالنا» أكثر من «الأبطال» الذين يرسمونهم لنا. وحكايتهم أكثر أثرا وإثارة لأنهم حقيقيون، غير متخيلين. ولأنهم يقدمون لنا خلاصات العذاب والألم والفكر والتشرد والفرح، ويجهدون في سبيل أن تكون لهم مكانة عندنا. فلماذا نحجب عنهم هذا القليل من الكذب الصغير؟ لماذا لا نقنعهم بأننا حقا حريصون على معرفة مواعيد الإنتاج عنهم. وهل يكثرون من القهوة أم من السجائر؟ ومتى تحل العبقرية، في الثالثة بعد الظهر أم في الثالثة بعد منتصف الليل؟

إنهم يحاولون إقناعنا بأن ما يفعلونه ليس عملا سهلا ولا عاديا. وأنهم يختلفون عنا. وأن الكتابة عمل مضن. ويريدوننا أن نصدق. وماذا يضيرنا أن نصدق. إذا كان ذلك هو الثمن الذي يطلبون فكم هو بسيط وسهل.