هل تغيرت سياسة أوباما تجاه إيران؟

TT

يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تسلم أخيرا جائزة نوبل للسلام قد تراجع عن سياسة الحوار التي اقترحها على إيران في بداية توليه الرئاسة في بداية عام 2009 وانتهج سياسة جديدة تقوم علي تهديد إيران بفرض عقوبات جديدة أو شن حرب عليها إذا لم توقف برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم.

وقد اتخذت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هي الأخرى موقفا أكثر تشددا من رئيسها ووصفت النظام الإيراني بأنه أكثر الأنظمة دعما للإرهاب في العالم. وتزامنت تصريحات كلينتون ورئيسها أوباما ضد إيران مع تهديدات مجموعة 5+1 لإيران بفرض عقوبات جديدة عليها إذا لم توقف برنامجها النووي اعتقادا منها أن إيران تعمل من أجل صنع القنبلة الذرية وأنهم يهددونها بفرض مزيد من العقوبات عليها إذا لم توقف كافة برامجها النووية. ويرى الأوروبيون أن إيران بنت محطة فوردو بالقرب من مدينة قم لتخصيب اليورانيوم دون أن تطلع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وكان الرد الإيراني على التهديدات الأميركية والأوروبية بفرض عقوبات جديدة عليها بأن طلب البرلمان الإيراني من حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد إعداد مشروع قانون لخفض مستوى تعاون إيران مع الوكالة الدولية. وأعلن الرئيس الإيراني أن إيران تنوي بناء عشر محطات لتخصيب اليورانيوم ردا على التهديدات الأميركية والغربية. كما أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أن إيران لن تطلع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مستقبلا على بناء محطات نووية جديدة تنفيذا لتعليمات البرلمان في خفض مستوى التعاون مع الوكالة الدولية.

لقد أعلنت إيران بصريح العبارة أن الأميركيين والغربيين لا يريدون أن يسمحوا لها بتملك التكنولوجيا النووية ولا يريدون لها أن تكون إحدى الدول النووية في المنطقة وهم يريدون أن ترفع يدها وتستسلم لهم حتى تواصل إسرائيل تهديد دول المنطقة ومنها إيران بضرب مفاعلاتها النووية وتكون الدولة النووية الوحيدة في المنطقة تصول وتجول وتهدد وتهاجم وتدمر متى وكيفما تشاء. أميركا والدول الغربية هددت إيران بأنها ستفرض عليها عقوبات جديدة وكانت أول خطوة للولايات المتحدة إعداد مشروع قانون لحظر بيع البنزين لإيران بينما تعلن إيران أنها غير مكترثة للعقوبات الأميركية والأوروبية لأنها جربت هذه العقوبات ولا تخشى منها كما أعلنت أنها ستؤمن البنزين من دول أخرى منها دول أميركا اللاتينية دون الاكتراث للحظر الأميركي، ولمحت الولايات المتحدة أيضا باستخدام خيارات أخرى ضدها أي شن حرب عليها وتدمير منشآتها النووية.

المسؤولون الإيرانيون يقفون الآن على مفترق طرق إما الاستسلام أمام الولايات المتحدة والغرب والسماح لإسرائيل بأن تكون القوة الأولى في المنطقة وهو مستبعد جدا نظرا لمواقف المسؤولين الإيرانيين خلال السنوات الثلاثين الماضية، وإما الوقوف في وجه هذه البلدان التي تملك القوة العسكرية والتكنولوجية والمالية والاقتصادية ولا ينقصها الذرائع لشن هجوم عسكري على المحطات النووية الإيرانية وتدميرها وكذلك تدمير البنى التحتية لإيران كما فعلت مع العراق.

المسؤولون الأميركان والغربيون لديهم تجربة العراق وأفغانستان وهم الذين هاجموا العراق تحت ذريعة كون العراق يملك أسلحة دمار شامل وقد دمروا البنى التحتية للعراق وتبين فيما بعد أن أسلحة الدمار الشامل كانت ذريعة وكذبة ملفقة لضرب العراق وتدمير هذا البلد واحتلاله وهم الآن يظنون أن الهجوم على إيران سيكون نزهة جديدة ويمكنهم تدمير إيران وإسقاط النظام فيه.

المسؤولون الإيرانيون ومنذ سنوات عديدة أدركوا جيدا أن الولايات المتحدة والغرب غير قادرين على توريط جيوشهما من جديد في حرب لا يمكن التنبؤ بنهايتها. الإيرانيون يعلمون بأن الولايات المتحدة لم تتخلص بعد من ورطتها في العراق وأفغانستان فكيف يمكنها أن تتورط من جديد في حرب تعرف متى تبدأ ولكنها لن تقدر على إنهائها كما هو الحال في العراق وأفغانستان.

ومن هنا نرى أن جميع المسؤولين الإيرانيين يقولون بصريح العبارة إن الولايات المتحدة والغرب لا يمكنهما مهاجمة إيران لأن تجربة العراق وأفغانستان أثبتت لهما أن مهاجمة دولة شرق أوسطية ليست بالموضوع السهل والهين ومن الحكمة والعقل أن يفكر الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل اتخاذ أي خطوة ضد إيران في إنهاء الحرب في كل من العراق وأفغانستان ليثبت للعالم أنه محب للسلام وجدير بجائزة نوبل.

وقد رفضت إيران مقترح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي بتبادل اليورانيوم المخصب بنسبة 5/3 في المائة بوقود نووي بنسبة 20 في المائة في خارج إيران. واقترح وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي على الغرب تبادل اليورانيوم والوقود النووي في جزيرة كيش الإيرانية.

إيران تخشي من الأوروبيين إذا ما أرسلت 1200 كيلوغرام من اليورانيوم أي 75 في المائة من مجموع مخزونها إلى خارج إيران لتتسلم وقودا نوويا بنسبة 20 في المائة وتتوقع أن لا يرجع الأوروبيون مخزونها من اليورانيوم المخصب وهذا ما دفعها إلى رفض عرض البرادعي والإصرار على تبادل اليورانيوم بالوقود على أراضيها لأنها لا تثق بالأميركان والأوروبيين لأنهم حسب اعتقادها لا يفون بوعودهم والتزاماتهم تجاه دول العالم الثالث ومواقفهم معروفة من إيران منذ ثلاثين عاما.

الولايات المتحدة أثارت بموقفها الجديد من المعارضة الإيرانية ودعم أوباما للمظاهرات التي قام بها المعارضون ضد النظام في إيران المسؤولين الإيرانيين حيث وصف وزير الخارجية الإيراني تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما بالهوجاء.

ويرى بعض المراقبين أن الموقف المتشدد الأخير للمسؤولين الإيرانيين تجاه الولايات المتحدة ومعارضة إيران لمقترح البرادعي جاء اثر تغير موقف الرئيس الأميركي من إيران خلال الفترة الأخيرة بعد أن أرسل عدة رسائل إلى المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية يطالب فيها إيران بالدخول في حوار معه.

بعد انتخاب الرئيس أوباما وإعلانه الاستعداد للحوار مع إيران برز توجه بين بعض المسؤولين الإيرانيين للرد إيجابيا على رغبة أوباما والدخول في حوار جاد مع الولايات المتحدة. وكانت أولى المبادرات الإيرانية رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للرئيس أوباما معلنا استعداده للقائه في نيويورك واقترح على أوباما كما اقترح سابقا على جورج بوش المشاركة في مناظرة تلفزيونية أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ولكن مناقشات الملف النووي والتهديدات الأميركية والأوروبية لإيران حالت دون العمل بهذا التوجه الإيراني.

فواقع الأمر أن المسؤولين الإيرانيين يعلنون في كل مناسبة أنهم لا يهدفون من وراء امتلاك التقنية النووية صنع القنبلة الذرية بل يريدون الحصول على التقنية النووية لاستخدامها لأغراض سلمية وخاصة توليد الطاقة الكهربائية التي يزداد استهلاكها في إيران يوما بعد يوم. ولكن الأميركيين والأوروبيين يشككون بالنوايا الإيرانية كما شككوا سابقا بنوايا صدام حسين وشنوا حربا على العراق ولا يزالون يتحملون أعباءها وويلاتها هم وشعوبهم الأميركان والأوروبيون يطلبون من المسؤولين الإيرانيين وقف تخصيب اليورانيوم الذي يقوم العلماء الإيرانيون بكافة عمليات التخصيب دون الحاجة إلى الخبرات الأميركية والأوروبية. وطبيعي انه إذا ما أوقف الإيرانيون عمليات تخصيب اليورانيوم فسوف يحتاجون إلى أميركا والغرب لتزويدهم بها وهذا ما يرفضه الإيرانيون ويصرون على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم مهما كلف الأمر.

إن التجربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة (إطلاق صاروخ سجيل 2) والتجارب الصاروخية التي سبقتها (صواريخ شهاب 1و2و3 وزلزال 1و2و3 ونازعات وقدر 1 وصياد 1 وفاتح 110) تدل على أن إيران تتحسب لكل طارئ وتأخذ التهديدات الإسرائيلية لها على محمل الجد وإيران إضافة إلى اختبار الصواريخ البالستية المزودة برؤوس حربية تختبر مختلف الأسلحة المصنعة داخليا وبيد خبرائها الشباب ومنها الطائرات الحربية والطائرات العمودية وطائرات بدون طيار ودبابات وزوارق حربية وسريعة وهي تعد نفسها لحرب طويلة معتمدة على قواتها المسلحة وخاصة قوات حرس الثورة (الباسداران) وقوات التعبئة (البسيج) وتجارب قواتها خلال الحرب العراقية الإيرانية.

ردود الفعل الأميركية والغربية على اختبار صاروخ سجيل 2 تشير إلى مدى القدرة التخريبية لهذا الصاروخ وصواريخ شهاب 1و2و3 وتخوف الغرب من القدرة العسكرية الإيرانية المتزايدة واحتمال أن ترد إيران على أي هجوم إسرائيلي على مفاعلاتها النووية ردا موجعا تستهدف تل أبيب وهذا ما لا ترضى به أميركا والغرب.

إن إيران لا تريد من الولايات المتحدة والغرب إلا تركها وشأنها وعدم التدخل في شؤونها وعدم التحرش بها وعدم منعها من تعزيز قدراتها الذاتية وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة والغرب وتصران على تجريدها من خبراتها النووية والعسكرية.

السؤال المطروح هو: هل الأميركان والغربيون يريدون تعزيز السلام في المنطقة ويعملون من أجله؟ أم أنهم يواصلون سياسة بوش الابن في إثارة الحروب والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط ويبحثون عن ذريعة جديدة لشن حرب ضد إيران وبهدف بيع المزيد من السلاح الأميركي والأوروبي لدول المنطقة وتخويفها من قدرات إيران النووية؟

* كاتب وصحافي إيراني