الأمن في آسيا: رؤية من كازاخستان

TT

تأسس مؤتمر «التعاون وتدابير الثقة» في آسيا بمبادرة من كازاخستان لتوسيع التعاون والتقدم في تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. إن فكرة تأسيس المؤتمر اقترحت في المرة الأولى من قبل رئيس جمهورية كازاخستان نور سلطان نزارباييف في الخامس من أكتوبر 1992، في أثناء الاجتماع السابع والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان الباعث على هذه الفكرة هو السعي لإنشاء بنية فعالة ومتنوعة لضمان الأمن والسلام في آسيا. وخلافا للمناطق الأخرى من العالم فإن منطقة آسيا لم تضم منظمة شبيهة ولم تنجح المحاولات السابقة لإنشاء آلية على هذا النهج.

ومن المعروف أن آسيا لديها قدرات هائلة للتطور، إلا أن هناك الكثير من المشكلات العالقة التي تهدد الاستقرار في القارة. وتعي شعوب آسيا أن التحديات والتهديدات مترابطة بقدر الترابط بين التطور والأمن، ولهذا السبب فإن تحديات الأمن القديمة والحديثة تتطلب عملا متناسقا وشاملا، وأهمها إجراءات الثقة والدبلوماسية الاستباقية.

إن المبادرة الكازاخستانية لقيت تأييدا من دول آسيا ومنها الصين والهند وباكستان وروسيا التي تتفهم ضرورة إنشاء تلك البنية. ومن أهم أسباب هذا الدعم توجه مؤتمر «التعاون وتدابير الثقة» نحو دعم التفاهم وإنشاء منظومة متجانسة للأمن في القارة الآسيوية. لقد اقترح مؤتمر «التعاون وتدابير الثقة» في آسيا على جميع البلدان الآسيوية، ليس فقط إحداث تفاهم وتعاون بينها في مجال تسوية الخلافات، بل ودعم تسوية الكثير من القضايا الأخرى عن طريق التعاون في مختلف المجالات.

ويوجد بالتأكيد عدد من المتشائمين الذين يعتقدون أن الفكرة غير قابلة للتنفيذ نظرا لاختلاف دول القارة ووجود كثير من بؤر الخلاف. وقد تحول مؤتمر «التعاون وتدابير الثقة» في آسيا اليوم إلى مؤسسة من أهم المؤسسات الواعدة ومتنوعة الأهداف والتي توجه نشاطها نحو تسوية النزاعات في المنطقة عن طريق الحوار وإجراءات الثقة بين الدول الأعضاء.

إن الضرورة الحالية لمؤتمر «التعاون وتدابير الثقة» في آسيا تتأكد من خلال زيادة عدد أعضائه من 16 إلى 20 دولة. وتبلغ مساحة الدول الأعضاء في المؤتمر 90% من مساحة آسيا، حيث تمتد من تركيا غربا إلى جمهورية كوريا في الشرق، وتضم دولا في أوراسيا والشرق الأوسط وجنوب شرقي وجنوب وشرق آسيا. وقد يكون المنتدى الوحيد بالإضافة إلى الأمم المتحدة الذي يضم بلدانا لا تقيم علاقات دبلوماسية فيما بينها، إلا أنها تلتقي لتبادل الآراء وتحقيق التفاهم حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وسيبدأ المؤتمر في الفترة القريبة القادمة في بحث القضايا العسكرية والسياسية الهامة لإنشاء فضاء شامل للأمن في آسيا. وستساعد إجراءات الثقة في المجال العسكري السياسي على الفهم الدقيق لقلق كل دولة عضو في المؤتمر، وترسي الطريق لعلاقات سياسية ودبلوماسية مستقرة وتساعد على تحديد القضايا المشتركة في مجال الأمن.

إن مصير شعوب آسيا واحد، وعلى دول المنطقة التغلب على المخاوف الخاصة والعمل جماعة على مواجهة التحديات المعاصرة. ولن يستطيع أحد غيرنا القيام بما هو ضروري، ولن تستطيع الحلول الخارجية تحقيق الأهداف المرجوة.

ويقوم المؤتمر بتطوير النموذج الخاص به في العمل مما يسمح لكل دولة عضو بتحديد وصياغة فهم للأمن. مع الوضع في الاعتبار أن أمانة المؤتمر تخطط لإصدار «عرض سنوي للقضايا الاجتماعية والاقتصادية ومشكلات الأمن في فضاء دول المؤتمر» لتلخيص آراء الدول الأعضاء حول قضايا الأمن التي يتعرض لها الإقليم والحلول المقترحة.

وتعد كازاخستان الدولة الأولى التي تترأس المؤتمر، وتقوم بنشاط ناجح بعد القمة الأولى في عام 2002. وتعد تركيا أحد أنشط الأعضاء في المؤتمر، وستتولى رئاسة المؤتمر في عام 2010. ومن المنتظر أن تنتقل الرئاسة كل عامين مما يمنح ديناميكية وأفكارا جديدة في تطوير عمل المؤتمر.

وقد وافق المؤتمر على عدد من الوثائق الهامة المؤسسة والسياسية، كما كُلّلت بالنجاح قمتان للمؤتمر وثلاث لقاءات وزارية. وخلال فترة قصيرة من تأسيسه حقق المؤتمر نجاحا وتقدما كبيرا في السعي لإيجاد سبل ووسائل للقضاء على حالة عدم الثقة والتوتر والعداء وخلق ظروف لتحقيق السلام الراسخ والدائم في آسيا وتحقيق التنمية الاقتصادية لدول المنطقة.

والآن وفي ظل أهمية تحقيق الأمن يجب القيام بعمل أكبر. ولا يمكن لأي من الدول بمفردها أن تواجه التحديات والتهديدات المعاصرة. وتحتاج آسيا إلى منظومة شاملة للأمن الجماعي. إن التحديات التي نواجهها تتطلب سياسات فعالة ومحددة، فهل تستطيع دول آسيا الانتقال من الكلام والاتفاقات على الورق إلى الأفعال؟

وفي الحقيقة إن هذه المنظمة الدولية النافذة التي تضم 56 دولة قد اعترفت بصواب سياسة الرئيس نزارباييف وبالنهج الذي ضمن تحقيق الوفاق الإثني والديني في المجتمع الكازاخستاني. وتعد كازاخستان إحدى الدول متعددة القوميات في العالم، واستطاعت تحقيق الاستقرار والأمن في مجتمعها. إن نموذج كازاخستان الحديثة تظهر إمكانات التعايش السلمي بين ممثلي مختلف المعتقدات والقوميات. وأصبحت تجربة كازاخستان أحد بواعث تقديم الطلب لترؤس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

*القنصل الفخري لجمهورية كازاخستان في لبنان