مداخلات القراء والمسؤولية الأخلاقية

TT

تتجاوز تعليقات بعض القراء على الأخبار والموضوعات والقضايا في عدد من مواقع الصحف الإلكترونية كل الأخلاقيات والقيم والأعراف، حينما تنحدر إلى مستويات القذف والسباب والعنصرية المقيتة، والتعلل هنا بحرية الرأي من قبل الناشر مغالطة حقيقية، فثمة فرق بين الرأي والشتيمة، بين وجهة النظر وإثارة العنصريات والضغائن بين مكونات المجتمع الواحد، فما نطالعه في بعض تلك المواقع من تعليقات ينحدر إلى الدرك الأسفل من قلة الأدب، الذي لا يمكن أن يندرج ضمن مصطلح الرأي في مفاهيم العقلاء، وترك الحبل على الغارب على النحو الذي هو عليه الآن من شأنه تشجيع الحريات اللامسؤولة، والعصبيات الطائفية والمذهبية، والسماح للسفهاء والأراذل بمطلات عريضة ينفثون من خلالها سمومهم، وأحقادهم، وعقدهم النفسية، تحت أسماء مستعارة، وأقنعة زائفة، وأقلام موبوءة.

وإذا كان من الصعب على المتضرر مقاضاة أشباح كُتّاب تلك التعليقات، فإن المسؤولية القانونية ينبغي أن يتحملها الناشرون والمسؤولون عن تلك المساحات الممنوحة من دون انضباط أو إشراف أو تقييم، ونظرة سريعة إلى بعض التعليقات في مواقع عدد من الصحف تكفي لأن يدرك الفرد أنها غدت وكالة بلا بواب، تلوث فيها سمعة الناس، وتنتهك أعراضهم، ويتم التشكيك في ذممهم، وقد يتشدق بعض المسؤولين عن تلك المواقع بأنهم يمارسون مبدأ حرية الرأي، ولست أدري أي فهم خاطئ للحرية ابتلي به هذا البعض، وأصابتهم سهامه فضلوا وأضلوا، وأنا هنا لا أطالب بتكميم الأفواه، ولا بتضييق مساحة الكلمة، ولا بمحاصرة الرأي، ولا حتى بتبريد درجة حرارته، ولكن يجب أن تكون في إطار الحرية المسؤولة التي يتحمل الناشر مسؤوليتها.

ولكي لا يأخذ كلامي صفة التعميمية لا بد من الإشارة إلى أنه على الضفة الأخرى ثمة صحف ومواقع تفاعلية تمارس الحرية وعيا، وخلقا، وتعميقا لقيم الحوار وأدبياته، فلم يعول المشرفون عليها على عناصر الإثارة لانتشارها وزيادة مساحات زوارها، بل اعتمدت المصداقية والموضوعية منهجا وسبيلا، فهي تدرك أن عمر هذه الفوضى لن يمتد طويلا في ظل تنامي معرفة الناس بحقوقهم القانونية، وأن المستقبل سيمتلكه الأكثر أخلاقية، والأوفر مصداقية، وعلى الجانب الآخر أيضا لا بد من القول إن ثمة مداخلات وتعليقات لقراء على درجة من النضج والعمق والمعرفة تستحق أن تفرد لها كل المساحات احتفاء.

فشكرا لكل من استشعر مسؤوليته في هذه الساحة الإلكترونية التي يفترض أن ينعم فيها الجميع بحرياتهم المسؤولة.