أصعب الخيارات

TT

ونحن في أواسط العام الدراسي الحالي، يواجه ملايين الشباب حول العالم هذا الخيار الصعب. ماذا يفعلون بمستقبلهم؟ بماذا يتخصصون؟ ماذا يدرسون؟ بل يدرسون أم لا يدرسون؟ ففي هذا عالمنا العربي، بلغ القمة وجمع الملايين والبلايين مَن لم يدرسوا أي شيء.

كنا ثلاثة من الطلبة النابهين. قضينا الساعات الطوال نفكر في ذلك. ماذا سنفعل؟ دخل أحدنا كلية الطب وتخرج بامتياز برر له مواصلة الدراسة في أميركا. تخصص أولا في جراحة القلب ثم انتقل إلى الأمراض الباطنية وأخيرا في سرطان القولون والبروستاتا. قرر الثاني دراسة الفن وأخذ طريقه إلى معاقل الفن في أوربا. سمعت بمصيرهما في ما بعد. جمع أولهما ثروة طائلة من الطب والجراحة واشترى قصرا منيفا في فرجينيا بالولايات المتحدة ويختا فخما في جزر هاواي. وكان كله من قضاء ليله ونهاره في جحور الشيبان والعجائز الأميركان، يده في القولون وأصابعه في البروستاتا، يشمّ بولهم وغائطهم ويده ملطخة بدمهم وصديدهم وإفرازاتهم ويسمع عويلهم وأنينهم، عشر ساعات في اليوم وأكثر.

عاش الثاني عيشة الكفاف، كثيرا ما على الصدقات. قضى ليله ونهاره بين وجوه وأجسام الغيد الحسان. يحدق إلى الجمال والقوام والأعين الكحل ويرسم ويخطط، ويفسر ويعبّر، ويصغي في أثناء كل ذلك إلى سيمفونيات بتهوفن وأغاني شوبرت. ينقل خطاه من متحف إلى متحف، ومن معرض لمعرض. يسابق الزمن وينهل مما تركه السلف من عجائب الأعمال وروائع الإبداع. ينهش في طريقه على بايسكليت قديم، وتحت المطر والثلج، شيئا من كسرات ساندويشة جبن وورقة خس. ويفكر كيف يحصل على عشاء الليلة، وربما أين سينام؟ ينام ليحلم بأن أحد المليونيرات الخليج جاء لزيارته وليشتري منه لوحة من لوحاته.

خيار وخيار. يا ليت شعري ما الصحيح؟ الثروة والقرف، الفقر وعالم الجمال؟

ولكن ما الذي حصل للثالث، زميلهم الثالث في الدراسة؟ لا شيء غير ما يعرفه قراء هذا العمود.