كيف تعايش الصقر وطائر الحمام

TT

كانا، على الأرجح، أهم موظفين في الإدارة الأميركية خلال القرن العشرين، والأكثر تأثيرا في السياسات الاستراتيجية. عملا معا في الأربعينات في «مجلس التخطيط التابع لوزارة الخارجية». حاولا، معا، في وضع «خطة مارشال» التي ساعدت على قيام أوروبا من أنقاض الحرب. ومعا قدما المشورة إلى هاري ترومان، حول بناء القنبلة الهيدروجينية.

جورج كنان وبول نيتزي. لكن منذ نهاية الحرب اتخذ كل منهما سياسة أو رؤية مناقضة تماما للآخر. الأول اعتبر أنه الرجل الذي بدأ الحرب الباردة وأنه كان أكثر العازمين على إنهائها. الثاني، الذي كان نائبه في الخارجية، كان رئيس وفد أميركا في محادثات خفض السلاح.

كان كنان المنظّر للسياسات الاستراتيجية، أما نيتزي فكان المنفّذ. كنان وضع سياسة المواجهة في الحرب الباردة ونيتزي عمل على تطبيقها. كنان كان عمليا ونيتزي كان مثاليا. ومعظم الوقت كانا على خلاف. نيتزي كان الصقر. وعندما كدس الاتحاد السوفياتي وأميركا كميات مرعبة من الأسلحة النووية، قال إن الطريقة المثلى للحيلولة دون وقوع حرب نووية هي شن حرب مسبقة.

كنان، في المقابل، ابتدع كلمات «الاحتواء» التي طالما استُخدمت لوصف السياسة الأميركية خلال الحرب الباردة. أرادها بالمعنى الدبلوماسي. نيتزي أرادها بالمعنى العسكري. كانت قوة نيتزي في طاقته التنظيمية ومعرفته الفائقة بالأسلحة. وقد عمل مع كل رئيس أميركي من روزفلت إلى جورج بوش الأب. حتى خصومه امتدحوا مقدراته، كما فعل نده السوفياتي في محادثات التسلح، ألكسندر سافيليف الذي قال إن «المشكلة الوحيدة أنه كان في مواجهتنا وليس إلى جانبنا».

غير أن نيتزي تشاجر، في مرحلة من المراحل، مع الرؤساء الستة الذين عمل معهم. واستقال ثم عاد مرات لا تحصى. وقال وزير خارجية ريغان جورج شولتز إن الرؤساء كانوا يأتون ويذهبون وبول نيتزي باق في مكانه.

كنان، كان طائر الحمام. أصر طوال أربعين عاما على أنه يجب أن تتخلى أميركا عن سلاحها النووي. إذا أرادت السلام، تصرف بطريقة سليمة. منذ حرب كوريا حتى حرب العراق 2003، دعا إلى الحل السلمي، إلى «الاحتواء». كان كنان كاتبا ممتازا، عبّر دائما عن فكره وأخلاقياته بأسلوب سلس وواضح. وطالما عرضت كتبه لجنابكم مع صدورها. كلاهما وُلد عام 1904. كلاهما توُفّي عن مائة عام وعامين بفارق ثلاثة أشهر في ما بينهما. حكاية «الصقر والحمامة» كتاب ممتع وضعه نيكولا طومسون، صحافي، وحفيد بول نيتزي.