كل هذا العذاب يا رب!

TT

دعوت الله أن تموت أمي قبلي ولو بيوم واحد.. فأنا لا أريدها أن تتعذب من بعدي. واستجاب الله.. وأحزنني وحطم قلبي وجفت الدموع في عيني حتى ذهبت إلى الأطباء ليساعدوني على البكاء عليها.. وقد ماتت قبل أربعين عاما. وطلبت أمي من الله أن يجعلني طبيبا فلم يستجب. وأحزنني أنني لم أولد طبيبا. حتى لا أتعذب بمرض أبي وأمي وزوجتي.. فأعصاب الأطباء حديد. وإذا رأوا الطير يرقص مذبوحا من الألم.. أسعدهم أنه يرقص..

ترددت مع أمي وأبي وزوجتي، وذهبت وحدي للأطباء في كل مكان فوجدتهم من طينة واحدة. أو من كتلة جليدية واحدة. لا أقول إنهم مصابون بالتلذذ من عذابات الناس.. وإنما اعتادوا على أسوأ ما يعانيه الناس. فلا أحد يقع من طوله إذا وقف إلى جوار سرير أبيه وأمه وزوجته. لا يقفون وإنما يصلبون قاماتهم كأنها أعمدة من الخرسانة المسلحة. كيف؟ إن الله قد استجاب لدعوات أمهاتهم.

أذكر في إحدى العمليات حشرت نفسي بين طاقم الممرضات والممرضين. وأنا أتهالك.. أتساقط.. بعضي يبكي على بعضي. أما هم فيضحكون ويرددون آخر نكتة. أطلت النظر شذرا قرفا احتقارا. هل حاولت أن أمسك أي شيء أضربهم به؟ ولم أجد الطبيب مندهشا لهذه السخرية.

سألت قال: إنها محاولة لرفع معنوياتهم. فما الذي أصابهم. التفت للطبيب نفسه. وجدت وجها مضيئا وأسنانا لامعة. كأنه كان شاهدا على عقد قران. أسعدني ذلك..

فقلت: خير إن شاء الله يا دكتور..

قال: وكأنه يقول لي بالرفاء والبنين: إحنا عملنا اللي علينا والباقي على الله!

يا نهار اسود هي وصلت إلى هذه الدرجة. وكان الطبيب ممتنا لأنني شكرته على أنه ترك التزاماته وجاء يحضر القران وسوف يحضر الزفاف..

يا رب رحمتك.. يا رب أنت لم ترحني لا صغيرا ولا كبيرا. يا رب أي ذنب ارتكبت في حياتي. إن أحدا لم يطلب لي أن أكون كاتبا.. طز في الكاتب والكتابة.. لقد أورثتني الهم والغم والندم على أنني شاهد على كل هذه القبور!