خطوة روزفلت التي يجب على أوباما اتخاذها

TT

كشف الرئيس باراك أوباما النقاب عن الشق الثاني من برنامج خطة التحفيز الاقتصادي، غير أنه لم يسمها بهذا الاسم لأن كلمة «تحفيز» تحولت إلى «تابو». لكن المقترحات التي رسمها ستزيد دون شك من جهود الحكومة في محاربة أسوأ كارثة اقتصادية ألمت بالبلاد منذ الكساد الكبير الذي ضرب البلاد في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي.

شملت الركائز الرئيسة للخطة الجديدة سلسلة من الإعفاءات الضريبية وإعادة توجيه أموال برنامج إغاثة الأصول المتعثرة المستردة للمشروعات الصغيرة ومضاعفة الاستثمارات الفيدرالية في مجال البنية التحتية. وسيجبر تأكيد أوباما على ضرورة مساعدة الشركات الصغيرة الحزب الجمهوري على معارضة الخطة، فقد عارض الجمهوريون جهود التحفيز وعارضوا على نحو خاص إعادة توجيه الأموال من برنامج إغاثة الأصول المتعثرة إلى أي شيء سوى خفض العجز، فالشركات الصغيرة المنظمة هي محور اهتمام الحزب الجمهوري. وستجبر الخطة الحزب، أيضا، على الخيار بين أيديولوجيته (أو على الأقل استراتيجيته في معارضة أوباما في كل قضية) وقاعدته من الناخبين.

ومن خلال تقديمها خطة التحفيز الثانية تعترف الإدارة بالإمكانيات المحدودة لاستراتيجية الانتعاش الاقتصادي من الأعلى إلى الأسفل الذي تبنته إدارة بوش عبر سنها قانون إغاثة الأصول المتعثرة ـ الذي يهدف بالأساس إلى مساعدة البنوك الكبرى ـ الخريف الماضي. وقد اكتشف أوباما ما اكتشفه الرئيس فرانكلين روزفلت قبل 75 عاما من أن إنقاذ البنوك ليس كافيا لتحريك الاقتصاد مرة أخرى طالما أن البنوك تنظر في اقتصاد مصاب إلى حد كبير ولا ترى شيئا سوى بحر من المجازفة. وأن الرفض القوي من جانب الحكومة لتقديم القروض للشركات الصغيرة سيجعل البنوك تجبر الحكومة على خلق ظروف اقتصادية تغريهم على العودة إلى الإقراض مرة أخرى. ومن ثم ستصبح الحكومة الآن المقرض للشركات الصغيرة التي تخلت عنها بنوك القطاع الخاص برغم تلقيها (البنوك) إعانات عامة ضخمة. والتحدي الأبرز والأصعب بالنسبة للأيديولوجية المحافظة في هذه الخطة هو إمكانية معارضتها وهو أمر يصعب تخيله.

وقد ترك خطاب أوباما الباب مفتوحا أمام إمكانية قيام الحكومة باتخاذ المزيد من الخطوات لتحرير الاقتصاد، وهذا مؤكد بدرجة كبيرة. فالكساد الاقتصادي الذي ينتج عن أزمة مالية دائما ما يكون أطول زمنا وأشد وطأة من مجرد دائرة متجددة. فمع فقد ما يقرب من ربع الرهن العقاري الأميركي ستمر سنوات قبل ظهور أعراض التحسن. علاوة على ذلك فهذا أول ركود اقتصادي نشهده منذ دخول الصين والهند إلى الاقتصاد العالمي وهي نتائج مهمة خلقت وفرة في العمالة بالنسبة للشركات العالمية وسلاسل الإمداد العالمي. وإذا توقعنا أن يعيد المصنعون الأميركيون استئجارهم بدلا من عمالنا العاطلين عن العمل فسيصيبنا ذلك بإحباط كبير.

ولعل ذلك السبب وراء حاجة الأمة إلى برامج توظيف عامة إلى جانب مساعدة الشركات الصغيرة على النمو مرة أخرى. استثمارات البنية التحتية التي اقترحها أوباما ستشكل إحدى الوسائل لتحقيق هذا الهدف لكن البرامج المتخصصة من التوظيف العام كتلك التي أوجدها فرانكلين روزفلت والأخرى سيئة السمعة التي استحدثها ريتشارد نيكسون (الذي أقر قانون التدريب والتوظيف الشامل) نحن بحاجة إليها أيضا. وقد أدرك روزفلت على نحو خاص أن مشروعات البنية التحتية الرئيسة تستغرق وقتا واستثمارا كبيرا في المواد، وهو ما كان سببا في تأسيسه برنامجين في أحلك فترات الكساد، هما إدارة الأعمال العامة (يختص بالمشروعات مثل إنشاء سد بونفيل) وإدارة تقدم العمل من أجل المشروعات كثيفة العمالة التي كانت أسرع في النهوض والعدو مرة أخرى. وقد وجه دعما ماليا لإدارة تطوير المشروعات أكثر بخمس مرات من إدارة الأعمال العامة لسبب بسيط وهو أن الأميركيين كانوا يتذمرون من أجل الحصول على العمل، إذ لم يكن القطاع الخاص يوفر أي وظائف على الإطلاق.

عندما أصبح روزفلت رئيسا عام 1933 جلب معه خططا طورها تقدميون خلال السنوات الثلاثين السابقة بهدف الارتقاء بالقوى العاملة والضمان الاجتماعي. بيد أن روزفلت كان ارتجاليا بشأن الوظائف العامة ـ التقدميون لم يتوقعوا الكساد أو كيفية التعامل معه، وقد دخل أوباما البيت الأبيض بانفصال مشابه: فقد كانت أجندته مشحونة بإصلاح الرعاية الصحية وتشريع التغير المناخي لكن أحدا لم يخطط لكيفية التعامل مع الركود الاقتصادي الأكثر شدة منذ الثلاثينات. وقد أظهر روزفلت همة كقائد سياسي كبير عبر تركيزه على علاج أزمة البطالة العامة، وأعتقد أن هذا هو دور أوباما لكي يقوم بالمثل.

هناك درس آخر يجب على أوباما أن يتعلمه أيضا من روزفلت، وهو ما عبرت عنه آنا بيرغر أمينة صندوق الاتحاد الدولي لموظفي الخدمات بقولها: «إننا بحاجة إلى مطرقة» ـ أحد موظفي الحكومة المسؤولين ممن تتمثل مهمتهم الوحيدة في الإشراف على جهود توفير الوظائف. كانت مطرقة روزفلت هاري هوبكنز مدير إدارة تقدم العمل. ولو أن لأوباما مطرقة فستحظى خطة التحفيز الجديدة بمصداقية أكبر.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»