ماذا بعد زيارات الرؤساء اللبنانيين لواشنطن ودمشق؟

TT

لم يكن جديدا على الرئيس الأميركي ما سمعه من رئيس الجمهورية اللبنانية في زيارته الأخيرة إلى واشنطن. ولا كان ما سمعه الرئيس سليمان من الرئيس أوباما والمسؤولين الأميركيين، بجديد عليه. ولن تغير هذه الزيارة شيئا في موقف واشنطن من لبنان، ولا من موقف لبنان من واشنطن وطهران ودمشق والرياض والقاهرة، ومن السياسة العربية والخارجية التي التزمت بها الحكومة اللبنانية في البيان الوزاري. فلماذا، إذن، اندلع الجدل في لبنان حول هذه الزيارة؟ لماذا ارتفعت الأصوات، من هنا وهناك، مؤيدة أو منتقدة أو متحفظة؟ ولماذا كانت تلك «الاستنابات القضائية السورية»، قبيل زيارة الرئيس الحريري إلى دمشق، وهي، مهما قيل في تبريرها، لا يمكن أن تفسر بأنها بادرة إيجابية من «القضاء والقدر» السوري.

صحيح أن خطاب حزب الله بات أقل عنفا وتحديا لفريق 14 آذار، وأن الجنرال عون المعتبر نفسه منتصرا في معركة تأليف الحكومة الائتلافية، بات يتكلم ويتصرف متعاليا على الجميع. وأن انفصال وليد جنبلاط عن فريق 14 آذار أضعف هذا الأخير وقوى فريق 8 آذار. وأن الرئيس الحريري مضطر إلى العض على الجراح وتقديم مصلحة الدولة والوحدة الوطنية على المصالح التي رفع شعارها وهو خارج الحكم. وأن واشنطن وباريس والرياض والقاهرة والاتحاد الأوروبي لم ولن تتخلى عن لبنان، ولا عن دعمها لكيانه واستقلاله وسيادته وديمقراطيته، لا سيما في الظروف الإقليمية والدولية الراهنة. كل هذا صحيح وراهن ومعروف. فلماذا، إذن، كل هذا الجدل العقيم واللف والدوران حول قضايا يعرف الجميع أنها ممنوعة من الحل؟

إن واشنطن - وغيرها من الدول الكبرى - سوف تمد لبنان بالسلاح والعتاد اللذين يحتاجهما لتعزيز جيشه. ولكن السؤال يبقى مطروحا: إلى أي درجة من «التعزيز»؟ طبعا، لا ينتظر من واشنطن أن تعطي لبنان صواريخ باتريوت أو ستايغر أو طائرات حربية متطورة يتمكن بواسطتها منع إسرائيل من التحليق فوق أراضيه. كما أن الطائرات الحربية النفاثة الروسية الموعودة لن تستطيع الطيران إلا فوق البحر الأبيض المتوسط نظرا لقصر المسافة بين بيروت والحدود الإسرائيلية أو السورية. ولكن التعزيز، كما ذكر، هدفه تمكين الجيش من حفظ الأمن ومقاومة الإرهاب. ولكن: أي إرهاب؟ المقصود بالإرهاب هنا: القاعدة وفتح الإسلام وما شابهها من تنظيمات. وليس حزب الله المشارك في الحكم (الذي لا تحبه الولايات المتحدة، على حد قول السفير فيلدمان، أخيرا)، والذي تركت قضية سلاحه معلقة فوق طاولة الحوار. وهو حوار قد يمتد سنوات، أو إلى «أن يعود الفلسطينيون إلى فلسطين»، كما صرح الجنرال عون، نيابة عن حزب الله. أما تنفيذ القرار 1701، فإن الموقف الرسمي اللبناني منه، كما جاء على لسان رؤسائه، هو احترامه وتنفيذه. رغم أن واشنطن والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن تعتبر أن هذا القرار لم ينفذ ما دام أن السلاح لا يزال يتدفق من الخارج على حزب الله.

السؤال الجديد المطروح، اليوم وغدا، هو: هل تستطيع الحكومة اللبنانية الائتلافية الجديدة، أن تقود عربة الحكم التي يجرها حصانان، كل منهما يندفع في اتجاه معاكس للآخر؟ نعم، يقول البعض، إذ ليس أمام الحكم سوى الاحتفاظ بالجوادين، والحؤول دون انفصالهما وتعريض عربة الحكم للتحطم. وكلا، يقول آخرون، لأن الثقة مفقودة بين الفريقين، ولأن أي أزمة حادة تقع في المنطقة أو الجوار، من شأنها أن تنسف الائتلاف الحكومي.

قيل، قديما، إن «قوة لبنان هي في ضعفه». ولكن هذه المعادلة سقطت في الحرب الأهلية، وربما استبدلت بمعادلة أخرى هي «أن ضعف لبنان هو في وجود قوة عسكرية في داخله أقوى من الدولة». صحيح أن البعض يعتبر سلاح حزب الله الصاروخي وقدراته وخبرته في المقاومة رادعا لإسرائيل. ربما، ولكن هذا السلاح يضغط سياسيا على كل القوى السياسية في لبنان، ولا يرتاح له المجتمع الدولي، وقد يشكل، يوما ما، ذريعة لعدوان إسرائيلي على لبنان. وقد تكون الذريعة مفتعلة من إسرائيل.

إن زيارة الرئيس سليمان إلى واشنطن كانت مفيدة رغم التشويشات الخفيفة التي تعرضت لها. كذلك زيارة الرئيس الحريري إلى دمشق. بل وكل الزيارات التي يقوم بها المسؤولون اللبنانيون إلى الرياض والقاهرة وأوروبا وطهران وأنقرة. ولكن الزيارات الأجدى والأنفع قد تكون تلك التي يتبادلها خصوم الأمس من الزعماء والقادة الذين جمعت الحكومة الائتلافية بينهم، من أجل بعث الثقة المتبادلة بينهم، وتعاونهم في تحقيق ما يمكن تحقيقه من مطالب وأماني اللبنانيين. وهي كثيرة جدا. أما القضايا المصيرية ونصف - المصيرية، فليتركوها.. للقضاء والقدر.