مشهد مثير!

TT

الصورة أبلغ من أي تعليق ممكن، هكذا كان حال المتابعين والمراقبين والمحللين لمشهد لقاء الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. كان الكل يتابع لغة العيون بين الرجلين، لغة الجسد وما ستحمله من إشارات ومعانٍ. لقاء رسمي وزيارة رسمية لكنها بين رجلين. رجلان ورثا الزعامة والسياسة من أبويهما ومعهما تراكمات وتبعات ثقيلة.

المشهد الذي كان «مستحيلا» أصبح واقعا حقيقيا. «المشهد» كان صفحة جديدة وتفصيلا إضافيا لمجموعة المتغيرات الحاصلة في الداخل السوري وفي الداخل اللبناني. تحول عقلاني في الخطاب السوري والتعامل بواقعية مع المتغيرات السياسية في لبنان، الابتعاد التدريجي عن «التطرف» الإيراني والاقتراب أكثر إلى «الاعتدال» التركي المتوازن، والاهتمام بتحسين العلاقات العربية وإعادة بناء جسور الثقة معها.

لم يعد هناك صوت معارضة أو أقلية أو أكثرية، ولكن هناك محاولة جادة لإيصال صوت لبناني لسورية، وهناك إدراك سوري أن عليها التعامل مع لبنان كدولة مستقلة (مع الإقرار بأن هناك حالة نضوج سياسي واضح لدى بعض الفرق فيه).

وفي المشهد الذي حصل في دمشق، كانت هناك بصمة واضحة وحضور لا يمكن إغفاله لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، هو إضافة واضحة لنهج الإصلاح والمصلحة البينية العربية التي اتخذها العاهل السعودي، وهي تأتي بثمارها الكبرى بالتدريج وبشكل ملموس.

المشهد يتخطى كونه فرصة لالتقاط الصور أو أن يكون لأجل التلميع وحملات العلاقات العامة، ولكن من المفروض والممكن أن يكون نقلة حقيقية وجادة في العلاقات بين البلدين، وهي التي شهدت جفاء حادا انقلب إلى عداء لا يمكن إنكاره، جف التواصل وانعدم إلى حد كبير، حد الثقة بين الشعبين.

عودة الأمور إلى مجاريها وإمكانية تحسين العلاقة ستتطلب عدم العودة للوراء وإبطال أساليب الماضي تماما. ستتطلب المسألة من اللبنانيين تحمل مسؤوليتهم بأنفسهم ووقف التدخلات الخارجية في سياسات بلادهم التي حولت السياسة اللبنانية إلى حارة «كل من ايدو الو» بدون مبالغة وهناك الكثير من الوعي والنضوج السياسي مطالبة بها الحياة السياسية في لبنان بشكل فوري للوصول لهذا المستوى من المسؤولية.

أما سورية فعليها معرفة أن الملف اللبناني قديما قد سبب لها العديد من المشاكل والحرج (بالرغم من حصولها على العديد من المغانم والمكاسب وتكوينها لجيوب من التأثير، إلا أن التكلفة كانت كبيرة جدا). هناك مرحلة جديدة (متوقعة) في العلاقة بين البلدين، مرحلة يتوقع أن يكون فيها تعامل بين دولتين مستقلتين، علاقة أخوية وندية، مع العلم أن هناك فريقا يرغب في استمرار التعاطي في العلاقة على أنها علاقة بين شقيقة كبرى وأخرى صغرى، أو حتى سيد وعبد، وآمر ومأمور.

إذا كان لبنان تقليديا هو «الرئة» التي يتنفس منها السوريون ترفيهيا واقتصاديا واجتماعيا، وسورية كانت تقليديا هي الظهر الذي يحمي لبنان من أزمات نفسه، فالدولتان اليوم مطالبتان بالبناء على هذه القاعدة الفريدة من نوعها التي تشكل إرثا مهما لو أحسنتا إدارتها بحسن ظن، وستكون علاقة نموذجية ومثالية لما يجب أن تكون عليه علاقة تكاملية ذات قيمة مضافة ومميزة. الأيام القادمة ستفصل وبقوة بين الأمل والحلم والممكن، وبين الواقع والماضي وآلامه.

لأجل ألا يكون «المشهد» الذي تابعه الناس في دمشق هو حالة «شاذة»، فان القادم سيكون محل متابعة واهتمام حتى يتحقق النجاح الكامل المنشود لهذا «المشهد» المثير!

[email protected]