الحريري في دمشق

TT

احتفى الرئيس السوري بضيفه سعد الحريري في سورية احتفاء كبيرا، لكن المعلومات عن لقائهما ظلت شحيحة للغاية، وهو لقاء يأتي بعد قطيعة وعداء، لذا فهو لقاء مختلف عن لقاءات الآباء، فالرجلان مختلفان، وكل منهما عركته ظروف قاسية!

لكن تبقى أهمية لبنان للسوريين كما هي، إن لم تزد، وتبقى حساسية لبنان تجاه التدخل السوري أكثر أيضا. فدمشق تقترب من لبنان اليوم من جديد بعد سقوط نظام صدام حسين، وحضور ايراني طاغ، وتنام لحزب الله، عدا عن تعرض سورية لهزات عنيفة في السنوات الخمس الماضية، حيث التوتر الذي ساد مع كل من السعودية ومصر، وطريقة الخروج من لبنان، والخلاف مع اميركا، والمحكمة الدولية، والضربات المحرجة من اسرائيل، ناهيك عن الاغتيالات التي وقعت على ارضها.

وبالنسبة للبنان فهناك خلفية الاغتيالات، رفيق الحريري ومن تلاه، وهناك القلق من وضع داخلي سببه حزب الله المرتكز اكثر على ايران، مما يجعل لبنان جبهة مرشحة للاشتعال في أي لحظة، ناهيك عن أن آخر المحتلين في الذهنية اللبنانية لم تعد سورية بل حزب الله يوم احتل بيروت، وبالطبع فانه من الخطأ النظر لزيارة الحريري من جانب شخصي، فهو رئيس وزراء لبنان، ولا يمكن ان يكون بهذا المنصب دون زيارة سورية، فأمام رئيس وزراء لبنان، أيا كان، ثلاثة خيارات: إما دمشق، أو إسرائيل، أو البحر، وسورية اهون الضرر، وبالتالي فإن كلا الطرفين، الاسد والحريري، التقيا وهما في إنهاك شديد، بل إنه لقاء المضطرين.

فلا الاسد كان يجامل، ولا الحريري لحس كلامه عن دمشق، بل هو امر فرضته ظروف المنطقة، وقبل كل ذلك الجهود التي قادها الملك عبد الله بن عبد العزيز من اجل المصالحة العربية، ولا بد أن لا ننسى أن هناك رغبة سورية للسير بعملية السلام، وجيد أن يأتي اللقاء بين الاسد والحريري قبل أي تقدم في المفاوضات الاسرائيلية السورية لكي لا يكون لبنان جزءا من الاتفاق، او يقدم على طبق من ذهب لدمشق، خصوصا ان السوريين يريدون وساطة اميركية مع الاسرائيليين كما نشر مؤخرا.

ولفهم الموقف الإقليمي لا بد ان نتذكر ايضا أن هناك التقارب السوري التركي، الذي يأتي في وقت تطل فيه ايران وحدها من نافذة المشاكل بمنطقتنا، مع وجود قناصين يتحينون اللحظة المناسبة لاصطيادها، ناهيك عن الحريق المتأجج داخل البيت الايراني، ومن شأن كل ما سبق ان ينعكس على لبنان ايضا، وليس سورية وحدها، ومن هنا تأتي اهمية ان يكون في لبنان رئيس وزراء قادر على ان يسير على حد السيف حتى تتضح الرؤية في المنطقة، خصوصا ان لبنان مرشح لأن يكون إحدى الجبهات القابلة للاشتعال، كما اسلفنا.

وبالطبع يبقى هنا سؤال مهم وهو: من يضمن أن لا تمارس سورية ادوارها السابقة في لبنان؟ وخير إجابة ما قاله الحريري في دمشق «الضمانة هي نحن»، أي أن اللبنانيين هم خير ضمان لبلدهم، لكن ليس جميع اللبنانيين لبنانيين للأسف.

[email protected]