اطلبوا الحكمة من تشيلي!

TT

الخبر هو أن تشيلي تستعد لدخول نادي الدول الغنية، فقد دعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم 30 دولة غنية للانضمام لتكون الأولى من دول جنوب أميركا اللاتينية التي تنضم إلى هذا النادي والأولى منذ نحو جيل حسب تقرير الشرق الأوسط الذي نُشر الجمعة الماضي التي تتحول من دولة نامية إلى دولة متقدمة.

وقد كانت هناك قصص نجاح كثيرة لدول خلال السبعينات والثمانينات خصوصا في آسيا وأصبحت هناك نمور اقتصادية جديدة يشار إليها مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة إلى آخر القائمة، وبالطبع الصين التي أصبحت قوة اقتصادية عظمى، لكن جنوب أميركا اللاتينية منطقة ظلت بعيدة عن الأذهان، قد يكون ذلك لبعدها الجغرافي، أو لتاريخها المليء بالاضطرابات، ولا يزال بعضها غارقا فيها.

والسؤال هو كيف حدث هذا؟ فتشيلي ارتبطت في الأذهان بقصص اضطرابات وعنف دامٍ ومقتل رئيسها الاشتراكي أليندي في السبعينات في ذروة الحرب الباردة وانقلاب الجنرال بينوشيه الذي أدخل البلاد في ديكتاتورية طويلة وكان مطاردا في الأيام الأخيرة من حياته وهو على سرير المرض يتعم تعذيب وقتل معارضين.

والأرقام تتحدث عن نفسها، فتشيلي دولة متوسطة الحجم سكانها 17 مليونا، وحجم اقتصادها حسب الإحصاءات الدولية المنشورة أيضا متوسط بالنسبة إلى سكانها (الناتج المحلي بسعر الصرف 169 مليار دولار في 2008 و245 مليار دولار حسب القوة الشرائية)، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي نحو 15 ألف دولار سنويا، وتصل صادراتها إلى نحو 60 مليار دولار سنويا، وميزانيتها الحكومية إيراداتها 44 مليار دولار في 2008 ونفقاتها 35 مليار دولار.

لكن ما أهلها لنادي الدول المتقدمة ليس هذه الأرقام فقط، بل أن هناك تغيرا حقيقيا في حياة الناس ومستوى معيشتهم، وهذا هو معيار التقدم الحقيقي، فنسبة السكان الذين تحت خط الفقر تراجعت من 45% قبل حكم بينوشيه إلى 18% حاليا، وكانت معدلات النمو السنوي هي الأعلى في جنوب أميركا اللاتينية خصوصا بعد انتهاء عصره ونشوء ديمقراطية ثابتة يقودها تحالف أحزاب منذ التسعينات، وهناك توسع في الطبقة الوسطى وتحسن مستمر في مستوى معيشتها، ومعدلات بطالة أقل من نسبة 9%. وتعكس خريطة اقتصادها تنوعا ممثلا لدول متقدمة، فنسبة إسهام الصناعة تتجاوز 50% من الناتج المحلي، وربع العمالة تعمل في هذا القطاع بينما 13% في الزراعة والباقي في الخدمات. والمفارقة أن الديمقراطية التي ولدت وحكمت في التسعينات رغم كراهية ممارسات الديكتاتور السابق الشهير والتي جعلته منبوذا على الصعيد الدولي في آخر أيام حياته ومهدَّدا بملاحقات قضائية- بنَت النمو الاقتصادي على إصلاحات اقتصادية أرساها بينوشيه بينها الخصخصة وتحرير السوق. ولعل الدرس المهم في ذلك هو أن الشعوب أو الأجيال لا يجب أن تظل أسيرة الماضي بممارساته تتصارع حوله، بل تنظر إلى الأمام وتبني للمستقبل على أي أساس مفيد بني في السابق.

ومن جنوب أميركا اللاتينية إلى المنطقة العربية يطرح السؤال نفسه، إذا كان هناك إمكانية لانبعاث جديد من وضع متخلف وأوضاع سيئة وديكتاتورية بشعة، فما عقدة هذه المنطقة التي سبقتها جنوب شرق آسيا والآن دول من مناطق اضطراب سابقة مثل تشيلي في جنوب أميركا اللاتينية؟