الكاتب والآلة أيضا

TT

التفت الأخ صلاح المختار إلى الخطأ في مقالتي «الفنان والآلة» عندما أشرت إلى الكاتب الإنجليزي دون أن اذكر اسمه. ذكرت في مقالتي تلك ما يقع من عسف في استعمال آلة الأورغ الموسيقية. ولكنها ليست الآلة العصرية الوحيدة التي تسيء الأدب. للكومبيوتر أيضا نصيبه من ذلك. فهو يعطي الكاتب باليد اليمنى ويأخذ باليسرى. ومما أخذه مني وبلعه اسم الكاتب تشسترتن. ولم يلتفت أحد عند طبع المقالة لهذا السهو.

ولكن إذا كان الكومبيوتر قد أخذ مني باليسرى، فقد أعطاني باليمنى خير ملاذ في مناسبة سابقة. كنت قد اقتبست كلمات من مواطن عراقي تضمنت القسم بأحد الأئمة. ثار الكثير من المسلمين على ذلك، إيمانا منهم أن القسم لا يجوز ببشر وإنما بالله وحده. بادرني رئيس التحرير، آنذاك، وقال يا خالد أنت أوقعتنا بورطة. أسرع وانشر اعتذارا في الأمر. كتبت الاعتذار بأن القسم بالأئمة شائع في العراق وكنت أستشهد بحوار جرى. قال هذا ما ينفع. اعتذر بصيغة أخرى. كتبت ولم تنفع. وبعد عدة محاولات، ألقينا باللوم على الكومبيوتر، بأن هذه الآلة اللعينة أساءت الأدب وأوردت اسما من أسماء الأئمة بدلا من أحد الأسماء الحسنى لله تعالى. واقتنع القوم وغفروا لي.

لوم الكومبيوتر أعطى حتى الحكومات والبنوك خير ملاذ من أخطائها، ولن أعجب إذا ما سمعت في التحقيق الجاري الآن بشأن غزو العراق بأن المسألة كلها تعود لخطأ وقع به كومبيوتر البنتاغون. كان المقرر أن يقع الهجوم على إيران، ولكن الكومبيوتر كتبت IRAQ بدلا من IRAN، فهجموا على هذا البلد العربي ودمروه.

وأعود إلى ذكر الكاتب تشسترتن. كان كاتبا ساخرا من أتباع المذهب الكاثوليكي. وجعله ذلك على طرفي نقيض مع كاتب ساخر آخر ولكنه علماني، برنارد شو. جرى بينهما الكثير من المراشقات. وبدأ ذلك في أول لقاء لهما. لم يكن الموقف من الدين الفارق الوحيد بينهما. كانا يفترقان في الوزن أيضا. كان برنارد شو نحيفا جدا في حين كان تشسترتن سمينا جدا. ما أن التقيا حتى خاطب تشسترتن زميله شو قائلا: «من يراك يا مستر شو يرى المجاعة العالمية ماثلة أمامه». أجابه برنارد شو وهو يشير إلى كرش تشسترتن: «ومن يراك يا مستر تشسترتن يعرف سبب هذه المجاعة».

ولا شك أن تشسترتن كان محقا بأن إنسان القرن العشرين صنع الميكروفون ولكن لم يعرف ماذا يقول به. فبعد سنوات قليلة أمسك هتلر به وألهب مسامع الألمان وفتح الأبواب للحرب. وتلاه إخوان في العالم العربي وعلى رأسهم أحمد سعيد.

ولكن لي ذكريات ظريفة مع الميكروفون. نصبوه لنا في كلية الحقوق. طرب له أستاذنا مصطفى كامل فراح يغرد فيه بلغته الأزهرية فيهدهدنا للنوم: «..وعملت النسوة في كفاحهن من أجل حقوقهن في مجتمعهن وكن في شأنهن مما لهن في أمرهن وهن..» ثم توقف ليلتقط أنفاسه من كل هذه القنابل النونية على الميكروفون، ثم تمتم بشتائم صبها عليهن قائلا: «..فكل ما فيهن عويص!».