بين المطعِم والمطعّم يفتح الله

TT

اتصلت بي ابنتي التي تدرس في الولايات المتحدة الأميركية تسألني النصيحة بأن تسمح لصغيرها بأخذ اللقاح المضاد لأنفلونزا الخنازير أم لا، وباعتبار أن «كل فتاة بأبيها معجبة» فإن ابنتي ظنت أن أباها الكاتب - أو بياع الكلام - يمكن أن يفهم حتى في اللقاحات المضادة لأنفلونزا الخنازير، وحمى الماعز، وهشاشة العظام، ولكون معرفتي بالطب كمعرفة بعض أمناء مدينة جدة بوديانها ومسارات سيولها، فقد آثرت أن أطلب منها استشارة طبيبة طفلها في المسألة والأخذ بنصيحتها، على قاعدة «ضعها في رأس عالم وبات سالم»، وكانت المفاجأة أن الطبيبة لم تنصحها بأخذ اللقاح، فبقينا على ضفاف الحيرة ولم نزل.

ويروى عن وزير الصحة السعودي الدكتور عبد الله الربيعة أنه توقع قبل أكثر من شهر بأن الرافضين للقاح الخنازير سيصطفون لاحقا بكامل رغبتهم لأخذه، وجاء الغد، وبدأت حملة وزارة الصحة لتطعيم طلاب المدارس باللقاح، لكن الرياح جرت بما لم يكن يتوقعه الوزير، فالنتائج حتى الآن تشير إلى فشل الحملة، إذ بلغت نسبة أولياء الأمور الذين يرفضون تطعيم أبنائهم درجة مرتفعة جدا، والسبب حجم الجدل الإعلامي العالمي والمحلي الذي أثير حول هذا اللقاح بين المختصين.

أنا كشخص - لا يطاع له أمر - من المؤمنين بأهمية اللقاح، ولا أعتقد أن العالم والعلماء يتآمرون على أن يقدموا للبشرية لقاحا على درجة من الخطورة، أو أن احتمالات تأثيراته الجانبية عالية، لكن إقناع الناس مسألة ليست سهلة، وكان حريا بــــوزارة الصحـــــة أن تستبق حملتها ببرنامج توعوي مكثف، تستعرض فيه الآراء العلمية الداعمة لأخذ اللقاح، وخيارات المجتمع الدولي، ولا أعتقد أن وزارة الصحة السعودية قد فعلت ذلك، أو أنها استطاعت أن تصل إلى قناعات الناس، ومخاطبة وعيهم، لأن لقاحـــــا بهذا القدر من الجدل الذي أحيـــــــط حوله أو ارتبط به، يحتاج إلى برنامج توعيـــــــة من نوع خاص، يقــــــــوم به علماء مختصون، ويســـــــــتند على أرقام وحقائق عالمية، وهو بطبيــــــــعة الحال يختلف عن الكثيــــــــر من البرامج التوعـــــــــوية التي قامت بها وزارة الصحة من قبل.

أرجو أن لا تحبط نتائج الحملة وزارة الصحة، فتدعنا لمصائرنا، آخذة بالقول «بين المطعِم والمطعّم يفتح الله»، فالامتناع قد لا يكون آخر الكلام.

[email protected]